كتاب نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر = الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (اسم الجزء: 4)

النحو وغيرها وعرض على خلق، واشتغل قليلاً عند أبيه، وورث شيئاً كثيراً فأتلفه في أسرع
وقت، ثم أملق وذهب إلى الصعيد ثم إلى مكة، وقرأ هناك على الحافظ شمس الدين السخاوي الموطأ
ومسند الشافعي وسنن الترمذي وابن ماجة، وسمع عليه شرحه للألفية وغير ذلك من تصانيفه ولازمه
مدة، ذكره السخاوي في تاريخه، قال: وكان صاحب ذكاء وفضيلة في الجملة واستحضار وتشدق في
الكلام، وكانت سيرته غير مرضية، وإنه توجه إلى اليمن ودخل زيلع ودرس وحدث، ثم توجه إلى
كنباية وأقبل على صاحبها، قال الشيخ جار الله ابن فهد: وقد عظم صاحب الترجمة في بلاد الهند
وتقرب من سلطانها محمود شاه ولقبه بملك المحدثين لما هو مشتمل عليه من معرفة الحديث
والفصاحة، وهو أول من لقب بها، وعظم بذلك في بلاده، وانقادت إليه الأكابر في مراده، وصار
منزله مأوى لمن طلبه، وصلاته واصلة لأهل الحرمين، واستمر لذلك مدة حياة السلطان المذكور،
ولما تولى ولده السلطان مظفر شاه وأخرج بعض وظائفه عنه بسبب معاداة بعض الوزراء فتأخر عن
خدمته إلى أن مات، ولم يخلف ذكراً بل تبنى ولداً على قاعدة الهند فورثه مع زوجته، ولم يحصل
لابنته في القاهرة شيء من ميراثه لغيبتها، انتهى.
ونقل الآصفي في ظفر الواله عن السخاوي أنه قال في الضوء اللامع: وجمعت له أربعين حديثاً عن
عشرين شيخاً، سميته الفتح المبين الهاني لعلو سند ملك المحدثين القاضي جلال الدين الكناني،
وقرظها لي جماعة من مشايخه ممن يطلب النفع منه له ولي نظماً ونثراً فأرسلتها له، فابتهج بها
وحدث بما فيها وأحسن إلي بسببها، واستمر على جلالته إلى أن مات سلطانه محمود وتولى ولده
مظفر شاه، فتوقف معه بواسطة وزيره محمد مجد الدين المسند العالي خداوند خان الايجي وخرج
بعض وظائفه منه، قال: وكان له من محمود ولاية جزية سائر ملكه، فتأخر عن الخدمة إلى أن مات،
انتهى.
وكانت وفاته على ما صرح به الآصفي سنة تسع وعشرين وتسعمائة بأحمد آباد فدفن بها.
العلامة محمد بن محمود الطارمي
الشيخ الفاضل العلامة محمد بن محمود الطارمي الشيخ عماد الدين محمد الطارمي أحد الأفاضل
المشهورين في الهند، ولد بطارم من قرى خراسان ونشأ بها وانتقل في الجهات واشتغل بالطلب على
الأئمة أجلهم جلال الدين محمد بن أسعد الصديقي الدواني صاحب المصنفات المشهورة، ثم وصل
كجرات بكتبه وسكن بنهرواله مدرساً مفيضاً، تخرج عليه مولانا وجيه الدين العلوي الكجراتي
والقاضي علاء الدين عيسى وخلق كثير من أهل الهند، وانتهت إليه الرياسة العلمية بكجرات.
وكان والده محمود تاجراً، واصطنع خيمة لحقه فيها مبلغ من المال ولم يجد بالروم من يبتاعها منه،
فوصل بها إلى كجرات وعرضها على السلطان محمود بيكره فاستكثر الثمن، فاتفق أنه دخل الجامع
الكبير للصلاة وقد حضره الشيخ الكبير محمد بن عبد الله الحسيني البخاري، فلما قام لينصرف قبل
محمود يده وسأله الدعاء لتبتاع خيمته التي كسد سوقها، فأشار بحمل الخيمة إلى منزله ونصبها هناك،
ففعل فاشتراها منه بما كانت لا تبتاع به بمغالاته في الثمن، وصرفه لوعد إلى الغد، فاتفق من قال له:
كيف تعامل بهذا المبلغ الكبير من لا يملكه؟ ومتى يجتمع من فتوح الغيب هذا المبلغ؟ ومتى ينجز
وعدك؟ وحيث كان رجلاً غريباً لا يعرفه حق المعرفة، أثر فيه كلامه وعمل فيه الوهم، فرجع إليه
وهو لا يدري ما يصنع، فلما قرب من المنزل رأى الخلق هجوماً على الخيمة ينتهبونها، وذلك لأن
الشيخ المذكور لما دخلها رأى فيها شيئاً كثيراً من الزينة لأبناء الدنيا، خرج وأذن الناس في انتهابها،
فتسابق القريب وتلاحق البعيد، فوقف محمود يعض على يده ندماً وتضاعف وهمه، فالتفت إليه الشيخ
وأشار إلى بساط فرش له في مجلسه وقال له: خذ ما هو لك من تحته، فثناه من حيث أشار وأخذ
مبلغه من غير نقص ولا زيادة، فقبل البساط واعتذر وسأله الدعاء، فإنه لا ولد له يخلفه، فبشره به
فولد محمد صاحب الترجمة بطارم.
مات في سنة إحدى وأربعين وتسعمائة في أيام بهادر شاه الكجراتي قبل حادثة نهرواله، ذكره
الآصفي في ظفر الواله.

الصفحة 416