كتاب نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر = الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (اسم الجزء: 1)
دخل الملتان، فلما دخلها فزع إليه أهلها وكثير من أهل السواد، وكان في جماعة
قوي بهم على البلد حتى ملكه وخوطب بالملك، وملك أولاده هناك، وأولد ثلاث مائة
وأربعة وستين ولداً، قال ابن خداع اعقب من ثمانية وعشرين ولداً، وقال الشيخ الشرف
العبيدي اعقب من نيف وخمسين رجلاً، وقال البيهقي: اعقب من ثمانين رجلاً، قال الشيخ
أبو الحسن العمري بعد أن ذكر المعقبين من ولد الملك الملتاني: أربعة وأربعون رجلاً، قال لي
الشيخ أبو اليقظاني عمار وهو يعرف طرفاً كثيراً من أخبار الطالبين وأسمائهم: أن عدتهم
أكثر من هذا، ومنهم ملوك وأمراء وعلماء ونسابون، وأكثرهم على رأي الإسماعيلية،
ولسانهم هندي، وهم يحفظون أنسابهم، وقل من يعلق عليهم ممن ليس منهم- هذا كلامه
انتهى.
داود بن يزيد المهلبي
داود بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة العتكي استخلفه أبوه عند موته
بالقيروان على أفريقية سنة سبعين ومائة فعزله هارون الرشيد سنة اثنتين وسبعين ومائة
واستعمله على أرض السند والهند سنة أربع وثمانين ومائة وكان معه أبو صمة المتغلب
وهو مولى لكندة فقدم الهند وملكها ودوخ الثغر وأحكم أموره، ولم يزل أمر ذلك الثغر
مستقيماً إلى عهد المأمون، وبقي داود بالسند إلى آخر عهده من الدنيا، توفي سنة خمس
ومائتين في أيام المأمون، كما في الكامل.
صالح بن بهلة الهندي
صالح بن بهلة الهندي الطبيب المشهور كان في أيام الرشيد هارون بالعراق ذكره ابن أبي
أصيبعة في طبقات الأطباء والقفطي في أخبار الحكماء، قال القفطي: إنه كان هندي الطب
حسن الإصابة فيما يعاينه ويخبر به من تقدمة المعرفة على طريق الهند.
ومن عجيب ما جرى له أن الرشيد في بعض الأيام قدمت له الموائد فطلب جبرائيل بن
بختيشوع ليحضر أكله على عادته في ذلك فطلب فلم يوجد، فلعنه الرشيد وبينما هو في
لعنه إذ دخل عليه، فقال له: أين كنت؟ وطفق يذكره بشر، فقال: إن اشتغل أمير المؤمنين
بالبكاء على ابن عمه إبراهيم بن صالح وترك تناولي بالسب كان أشبه، فسأله عن خبر
إبراهيم، فأعلمه أنه خلفه وبه رمق ينقضي آخره وقت صلاة العتمة، فاشتد جزع الرشيد
من ذلك وأمر برفع الموائد وكثر بكاؤه، فقال جعفر بن يحيى: يا أمير المؤمنين! جبرائيل طبه
رومي وصالح بن بهلة الهندي في العلم بطريقة أهل الهند في الطب مثل جبرائيل في العلم
بمقالات الروم، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بإحضاره وتوجيهه وبالمصير إليه بعد منصرفه
من عند إبراهيم ففعل ذلك جعفر، ومضى صالح بن بهلة إلى إبراهيم حتى عاينه وحبس
عرقه وصار إلى جعفر، فدخل جعفر على الرشيد فأخبره بحضور صالح بن بهلة فأمره
الرشيد بإدخاله إليه، فدخل ثم قال: يا أمير المؤمنين! أنت الإمام وعاقد ولاية القضاء
للأحكام ومهما حكمت به لم يجز لحاكم فسخه! وأنا أشهدك وأشهد على نفسي من
حضرك أن إبراهيم بن صالح إن توفي في هذه الليلة وفي هذه العلة أن كل مملوك لصالح بن
بهلة حر لوجه الله! وكل دابة له فحبيس في سبيل الله! وكل مال له فصدقة على
المساكين! وكل امرأة له فطالق ثلاثاً! فقال الرشيد: حلفت يا صالح بالغيب! فقال صالح:
كلا يا أمير المؤمنين إنما الغيب ما لا دليل عليه ولا علم به، ولم أقل ما قلت إلا بدلائل بينة
وعلم واضح، فسرى عن الرشيد ما كان يجد وطعم، وأحضر له النبيذ فشرب، فلما كان
وقت العتمة ورد كتاب صاحب البريد بمدينة السلام بوفاة إبراهيم بن صالح على الرشيد،
الصفحة 54
1508