كتاب أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يزيدنا في إيمان قس بن ساعدة؟ فوثب إليه رجل من القوم فقال: يا رسول الله، بينا نحن في ملاعبنا إذا أشرف علينا من شرفة الجبل متجلل بشملة مرتد بأخرى وبيده هراوة، وهو واقف على عين ماء وهو يقول: آلا وإله السماء «لا يشرب القوي قبل الضعيف. وليشرب الضعيف قبل القوي».
فو الذي بعثك بالحق نبيا يا رسول الله لقد رأيت القوي من الوحش يتأخر حتى يشرب الضعيف. فلما تنحى ما حوله هبطت إليه من ثنية الجبل فرأيته واقفا بين قبرين يصلي. فقلت: انعم صباحا ما هذه الصلاة التي لا تعرفها العرب؟ قال: صليتها لإله السماء. قلت: وهل للسماء من إله (¬1) سوى اللات والعزى؟ فانتفض وانتقع لونه ثم قال: إليك عني يا أخا إياد. إن للسماء إلها عظيم الشان هو الذي خلقها فسواها. وبالكواكب والقمر المنير والشمس أشرقها. أظلم ليلها وأضاء نهارها، يسلك بعضها في بعض. ليس له كفوية ولا إنسية ولا كيموسية. فقلت ما أصبت موضعا تعبد إله (¬2) السماء إلا في هذا المكان؟ فقال:
إني لم أصب في زمني غير صاحبي هذين القبرين، وإني لمنتظر ما أصابهما وسيعمكم حق من هذا الوجه، وأشار نحو مكة. فقلت له: وما هذا الحق؟ قال: رجل أبلج أحور من ولد لؤي بن غالب، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، يدعوكم إلى كلمة الإخلاص وعيش الأبد ونعيم لا ينفد، فإن دعاكم فأجيبوه، وإن استصرخكم فانصروه، وقد وصف لي علامات شتى وخلائق حسانا. قال إنه لا يأخذ على دعواه أجرا. قلت فما لك لا تسير إليه؟ قال إني لا أعيش إلى مبعثه. ولو علمت أني ممن يعيش إلى مبعثه لكنت أول من يسعى إليه.
¬_________
(¬1) في م: الله. والصواب من ط.
(¬2) فيهما: الله. والصواب ما أثبت. راجع الحاشية السابقة.

الصفحة 40