كتاب أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن

يخرج من هذا كله أن (الغاوون) هم السفهاء، أو هم الكفار من الجن والإنس أو هم الرواة. فإذا كان هذا كذلك، فأي ذم يلحق شعراء الإسلام إذا لم يهجوا؟ لا سيما والنبي عليه السلام قال لشاعره كعب بن مالك لما سأله رأيه في الشعر حين أنزل الله فيه هذه الآية: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل (¬1)، فإذا كان شاعر الإسلام لا يهجو إلا الكفار فهذا هو المطلوب.
وفي هذا الحديث تقرير الشعراء على قول الشعر على الوجه الجائز إذا حملنا خطاب النبي عليه السلام عموما على ما يرد في بعض الأحكام الشرعية، أن يكون الخطاب لشخص والحكم متوجه على الجملة (¬2).
وأما إن كان الذم المفهوم من قوله تعالى وَاَلشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ اَلْغاوُونَ ليس على عمومه بل كما قيده أبو عبد الله بالشعراء الكفار، فلا مدخل للإسلاميين فيه؛ وبالله التوفيق.
وإن احتج أيضا بقول النبي صلى الله عليه وسلم «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلىء شعرا» (¬3). قلت: الجواب ما قاله الإمام أبو عبد الله المازري والقاضي عياض في ذلك الحديث، ونقلته من الإكمال
¬_________
(¬1) ورد الخبر في تفسير القرطبي 13:153.
(¬2) في الأصلين: أن. قلت، ولعله أيضا: أن يكون الخطاب. . . متوجها.
(¬3) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجة، وفي فتح الباري: قال ابن بطال ذكر بعضهم أن معنى قوله «خير له من أن يمتلئ شعرا» يعني الشعر الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو عبيد والذي عندي في هذا الحديث غير هذا القول، لأن الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم لو كان شطر بيت لكان كفرا. فكأنه إذا حمل وجه الحديث على امتلاء القلب منه أنه قد رخص في القليل منه، ولكن وجهه عندي: أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله فيكون الغالب عليه. فأما إذا كان القرآن والعلم غالبين عليه فليس جوفه ممتلئا من الشعر.10/ 451 - 453. وانظر تفسير القرطبي 12:150

الصفحة 47