كتاب الدليل إلى المتون العلمية

وقال الشاطبي: " من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام.. وإن كان الناس قد اختلفوا هل يمكن حصول العلم دون معلم أم لا؟ فالإمكان مسلّم، ولكن الواقع في مجاري العادات أن لابد من المعلم وهو متفق عليه في الجملة.. واتفاق الناس على ذلك في الوقوع وجريان العادة به كاف في أنه لابد منه، وقد قالوا: إن العلم كان في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب وصارت مفاتحه بأيدي الرجال.
وهذا الكلام يقضي بأن لابد في تحصيله من الرجال إذ ليس وراء هاتين المرتبتين مرمى عندهم، وأصل هذا في التصحيح " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء " الحديث، فإذا كان كذلك فالرجال هم مفتاحه بلا شك " (¬1)
وقال: " حسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالماً اشتهر في الناس الأخذ عنه، إلا وله قدوة اشتهر في قرنه بمثل ذلك، وقلما وُجدت فرقة زائغة، ولا أحد مخالف للسنة، إلا وهومفارق لهذا الوصف. وبهذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهري وأنه لم يلازم الأخذ عن الشيوخ، ولا تأدب بآدابهم، وبضد ذلك كان العلماء الراسخون كالأئمة الأربعة وأشباههم" (¬2) .
وقال: " فصل: وإذا ثبت أنه لابد من أخذ العلم عن أهله فلذلك طريقان: أحدهما المشافهة، وهي أنفع الطريقين وأسلمهما لوجهين:
¬_________
(¬1) الموافقات 1/91.
(¬2) المرجع السابق 1/95.

الصفحة 75