كتاب الصداقة والصديق

وأما التجار فكسب الدوانيق سد بينهم وبين كل مروءة، وحاجز لهم عن كل ما يتعلق بالفتوة.
وأما أصحاب الدين والورع فعلى قلتهم فربما خلصت لهم الصداقة لبنائهم إياها على التقوى، وتأسيسها على أحكام الحرج، وطلب سلامة العقبي.
وأما الكتاب وأهل العلم فإنهم إذا خلوا من التنافس، والتحاسد، والتماري، والتماحك فربما صحت لهم الصداقة، وظهر منهم الوفاء، وذلك قليل، وهذا القليل من الأصل القليل.
وأما أصحاب المذاب والتطفيف فإنهم رجرجة بين الناس، لا محاسن لهم فتذكر، ولا مخازي فتنشر، ولذلك قيل لهم همج، ورعاع، وأوباش، وأوناش، ولفيف، وزعانف، وداصة، وسقاط، وأنذال، وغوغاء، لأنهم من دقة الهمم، وخساسة النفوس، ولؤم الطبائع على حال لا يجوز معها أن يكونوا في حومة المذكورين، وعصابة المشهورين، فلهذه الأمور الحائلة عن مقارها، الزائغة إلى غير جهاتها علل وأسباب لو نفس الزمان قليلاً لكنا ننشط لشرحها، وذكر ما قد أتى النسيان عليه، وعفى أثره الإهمال، وشغل عنه طلب القوت، ومن أين يظفر بالغداء، وإن كان عاجزاً عن الحاجة، وبالعشاء وإن كان قاصراً عن الكفاية، وكيف يحتال في حصول طمرين للستر لا للتجمل، وكيف يهرب من الشر المقبل، وكيف يهرول وراء الخير المدبر، وكيف يستعان بمن لا يعين، ويشتكى إلى غير رحيم، ولكن حال الجريض دون القريض، ومن العجب والبديع أنا كتبنا هذه الحروف على ما في النفس من الحرق، والأسف،

الصفحة 33