كتاب الصداقة والصديق

مر بخالد بن صفوان صديقان، فعرج عليه أحدهما وطواه الآخر، فقيل له في ذلك، فقال: عرج علينا هذا لفضله، وطوانا ذاك لثقته. ويروي في مثله: عرج علينا هذا بالمقة وانصرف ذاك عنا بالثقة.
شاعر:
أعاتب ليلى إنما الهجر أن ترى ... صديقك يأتي ما أتى لا تعاتبه
قال أعرابي لصاحب له: قد درن ذات بيننا، فهلم إلى العتاب لنغسل به هذا الدرن، فقال له صاحبه: إن كان كما تصف فذاك لبادرة ساءتك مني، إما لك وإما لي، فهلا أخذت بقول القائل:
إذا ما أتت من صاحب لك زلة ... فكن أنت محتالاً لزلته عذرا
والله لا صفت مودتنا، ولا عذب شربها لنا إلا بعد أن يغفر كل واحد منا لصاحبه ما يغفره لنفسه من غير من ولا أذى.
شاعر:
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقل
ويركب حد السيف من أن تضيمه ... إذا لم يكن عن جانب السيف مزحل
قال العوامي: الصديق يرتفع عن الإنصاف، ويجل أيضاً عن الهجران، لأن الإنصاف ينبغي أن يكون عاماً مع الناس كلهم، وأما الهجران، فالعاقل لا يسرع إليه لعدم الإنصاف بل يستأني، ويقف، ويكظم، ويتوقع، ويرى أن العارض في الأمر لا يزال به الأمر الثابت، والعرق النابت.

الصفحة 58