كتاب الصداقة والصديق

بالتكلف والملق، ولقد وقفني مرة على ضربة تأتت له علي كان فيها البوار، كف عنها، وأخذ بالحسنى، فأريته أختها، وكانت خافية عنده، فقال: لولا علمي بأنك تسبق إلى مثل هذه ما قابلتك بتلك، فقلت: هو والله ذاك، ووالله لقد ضرني ناس كانوا ينتحلون مودتي، ويتبارون في صداقتي، لضعف نحائزهم، ولؤم غرائزهم، ولقد ثبت لي هو في عداوته على عقل وتذمم أفضيا بهما إلى سلامة الدين، والنفس، والحال. وورد معز الدولة هذا المصر، فسأله عني سراً، فأثنى خيراً وقال: ما قطن مصرنا غريب أعظم بركة منه، وإنه لجمالنا عند المباهاة، ومفزعنا عند الخلاف. ولقد سألني معز الدولة عنه سراً، فأثنيت خيراً وقلت: أيها الأمير! والله ما نشأت فتنة في هذا المصر إلا وهو كان سبب زوالها، وإطفاء ثائرتها، وإعادة الحال إلى غضارتها ونضارتها. فقال معز الدولة لأبي مخلد سراً، كيف الحال بينهما، يعنينا، فقال: بينهما نبو لا ينادى وليده، وتعاد لا يلين أبداً شديده. فقال: لئن كان كما تقول فإنهما ركنا هذا البلد، وعدتا هذا السواد، اجعلهما عيني أبصر بهما أحوال الناس في هذا المكان، وأعول عليهما في ما يريان ويشيران، فخلا بي أبو مخلد وبصاحبي، وتقدم إلينا عن صاحبه بما زادنا بصيرة وتألفاً إلى هذه الغاية، ثم قال أبو حامد: والله إن عداوة العاقل لألذ وأحلى من صداقة الجاهل، لأن الصديق الجاهل يتحاماك بعداوته، ويهدي إليك فضل عقله

الصفحة 60