كتاب الصداقة والصديق

أخلاق بين الناس، ولا خلق إلا ما هذبه الدين، ولا دين إلا ما هذبه الخلق، على أن ابن المعتز أبا العباس قال: لست لمن خاشنني ألين، ولا إذا عز أخي أهون، ولعل هذا مسلم لأبي العباس لسموق رتبته، وشرف نسبه، ومستفيض أدبه وكرمه، وبعد فالصراخ ممن يظن به أنه صديق ثم يخرج في مسك عدو قديم، والتشكي منه مردد، وليس إلا الصبر والإغضاء، ودفع الوقت، وطرح الأذى عن الفكر، وأنا أقول هذا لأني نظرت في حال الإنسان، وصوبت طرفي فيه وصعدت، وحسبت ماله وما عليه وحصلت، وأجملت ما به وفيه وفصلت، فلم أجد له شيئاً خيراً من الصبر، فيه يقاوم المكروه، وتستدفع، البلية، وبه يؤدى شكر النعمة، وما أحلى ما أشار إليه الشاعر حين قال:
إن الزمان على اختلاف مروره ... ما زال يخلط حزنه بسروره
لم يصف عيشاً منذ كان لمعشر ... إلا وعاد يجد في تكديره
فالعاقل النحرير يلزم نفسه ... صبراً عليه في جميع أموره
وأحق ما صبر امرؤ من أجله ... ما لا سبيل له إلى تغييره
وحكى العلماء أن رجلاً كتب على باب داره: جزى الله من لم نعرفه ولم يعرفنا خيراً. فإننا ما أتينا في نكبتنا هذه إلا من المعارف، وقد قال الآخر:
كفاني الله شرك يا ابن عمي ... فأما الخير منك فقد كفاني
نظرت فلم أجد أشفى لغيظي ... من أني لا أراك ولا تراني
ولقد قلت لابن أبي كانون: لم لا تخالط أصحاب ابن الرازي فأنشد:

الصفحة 65