كتاب الصداقة والصديق

إن السلامة من سلمى وجارتها ... أن لا تمر بواديها على حال
وإذا أردت الحق علمت أن الصداقة، والألفة، والأخوة، والمودة، والرعاية، والمحافظة قد نبذت نبذاً، ورفضت رفضاً، ووطئت بالأقدام، ولويت دونها الشفاه، وصرفت عنها الرغبات.
ولما غنى علويه المأمون قول الشاعر:
وإني لمشتاق إلى ظل صاحب ... يرق ويصفو إن كدرت عليه
عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن صرت طوع يديه
استعاده المأمون مرات ثم قال: هات يا علويه هذا الصاحب، وخذ الخلافة، قد صرنا، ولله الحمد نرضى اليوم من الصاحب، والجار، والمعامل، والتابع، والمتبوع أن يكون فضلهم غامراً لنقصهم، وخيرهم زائداً على شرهم، وعدلهم أرجح من ظلمهم، وأنهم إن لم يبذلوا الخير كله لم يستقصوا الشر كله، بل قد رضينا بدون هذا، وهو أن نهب خيرهم لشرهم، وإحسانهم لإساءتهم، وعدلهم لجورهم، فلا نفرح بهذا، ولا نحزن لذاك، ونخرج بعد اللتيا والتي بالكفاف والعفاف!.
أخبرنا ابن مقسم النحوي، أخبرنا ثعلب عن أبي زيد عمر بن شيبة قال: قال مطيع بن إياس في صديق كان له يصفه بالنميمة:
إن مما يزيدني فيك زهداً ... أنني لا أراك تصدق حرفا
لا ولا تكتم الحديث ولا تن ... طق جداً ولا تمازح ظرفاً
وإذا منصف أرادك للنص ... ف أبيت الوفاء وازددت خلفا
وإذا قال عارفاً قلت سوءاً ... وإذا قال منكراً قلت عرفا
وأنشد ابن الأعرابي فيما روى ابن مقسم عن ثعلب:

الصفحة 66