كتاب الصداقة والصديق

الثاني، أعني أنكم معمومون بصورة الإنسان من ناحية النوع، كما أنكم معمومون بصورة الحيوان من ناحية الجنس، ومعرضون لنيل صورة الملائكة بالاختيار الجيد، كما أنكم معرضون لنيل صورة الشياطين بالاختيار الرديء، فلو ثبتم على الصراط المستقيم، وعلقتم حبل العقل المتين المستبين، واعتصمتم بالعروة الوثقى من الهدى والدين، كنتم كنفس واحدة في كل حال، ذلت أو صعبت، تجمعت أو تشعبت، تعرفت أو تنكرت، وكانت هذه الشريفة أعني الموافقة والوحدة تسري في الصديق والصديق، ثم في الثاني والثالث، ثم في الصغير والكبير، وفي المطيع والمطاع، والسائس والمسوس، وفي الجار والجار، وفي المحلة والمحلة، والبلد والبلد، حتى تبلغ الأغوار والنجود، وتشتمل على الأداني، والأقاصي، فحينئذ ترى كلمة الله العليا، وطاعته العالية، إلا أن هذا لما كان متعذراً جداً لأن المادة الأولى لا تنقاد لهذه الصورة، والصورة الأولى لا تلابس هذه المادة، طلب هذا المتعذر في الواحد مع الواحد، في الزمان بعد الزمان، على السنن بعد السنن، على المكان بعد المكان، بالدعوة بعد الدعوة، والهيئة بعد الهيئة، بالتعاون بعد التعاون، وإذا بعد المطلوب من جهة عامة لعلة مانعة فليس ينبغي أن يقنط من الظفر به من جهة خاصه لعله معطية، ومن المحال أن يكون المطلوب يدل على صحته العقل ثم لا يوجد في أحد المعدنين اللذين له، ولو استحال الوصول إليه، والتمكن منه، لكان العقل لا يدل على صحته، والرأي لا يشتاق إلى تحصيله، والطبيعة لا تنحو نحو مظنته، والاختيار لا يحول في طلبه، قال فعلى هذا يحمل رمز الحكيم في قوله: الصديق إنسان هو أنت، إلا أنه بالشخص غيرك.

الصفحة 70