كتاب أحكام عصاة المؤمنين

بأن فساق المسلمين معهم بعض الإيمان وأصله وليس معهم جميع الإيمان الواجب الذي يستوجبون به الجنة, وأنهم لا يخلدون في النار, بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال خردلة من إيمان, وأن النبي صلى الله عليه وسلم ادخر شفاعته لأهل الكبائر من أمته".
ولا يغرنك كثرة القائلين ب "لا إله إلا الله" وهم أبعد الناس عن حق هذه الكلمة وحقيقتها, وبرهانها, وهم يجحدون ما أمر الله به, ويعملون على صرف أهل الإيمان عن لوازم الإيمان ومقتضياته. وفي أمثال هؤلاء يقول ابن تيمية: "فقد يقول إنسان: لا إله إلا الله, ويجحد وجوب الصلاة والزكاة, فهذا كافر يجب قتله" ولن يكون الإيمان كلاما يقال بل لابد من عمل يؤيده ويصدقه وفي ذلك يقول: "من أصول أهل السنة أن الدين والإيمان قول وعمل".
وفي موضع آخر ينبه إلى صنف آخر من الذين يكفرون ولو قالوا "لا إله إلا الله" وهم مما لا يخلو منهم عصر ممن لم يحتمل العيش في الظل, فأطل برأسه غرورا وتيها لما لم يجد من لم يسفع ناصيته الخاطئة الكاذبة أولئك الذين يكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم. وهل رفض السنة إلا التكذيب الفاضح للرسول صلى الله عليه وسلم الموصوف من ربه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى, إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} يقول رحمه الله: "من قال بلسانه لا إله إلا الله, وكذب الرسول فهو كافر باتفاق المسلمين".
ومع ذلك فلا يجوز الإسراع في إصدار الأحكام على الناس بغير علم, أو تكفير المسلمين تبعا لهوى في أنفسنا أو تبعا لتفسير لا يحتمل معه كفر محض, بل لابد من الرجوع في ذلك إلى أهل الذكر, ومعرفة ما تنازع فيه المسلمون حتى لا نطلق الأحكام جزافا, فنضع في اللوحة المضيئة من نضع, ونخض بالقائمة السوداء من نخض, وفي هذا المعنى يقول رحمه الله: "لا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة".

الصفحة 8