كتاب المنفرجتان

14 -
(وَإِذَا انْفَتَحَتْ أَبْوَابُ هُدًى ... فاعْجِلْ لِخَزَائِنِهَا وَلِجِ)
وَإِذا انفتحت لَك أَبْوَاب هدى أَي الْهدى بِأَن خلقه الله فِيك فاعجل أَي فأسرع لخزائنها جمع خزانَة بِكَسْر الْخَاء ولج أَي ادخل فِيهَا اسْتعَار الانفتاح لارْتِفَاع الْمَوَانِع الحسية وانكشاف الْحجب النفسية وَزَوَال العوالق المعنوية الْمَانِعَة من نيل المقامات والمعارف واستعار الْأَبْوَاب لتِلْك الْمَوَانِع والحجب والعلائق لِأَنَّهَا مَانِعَة من الْهدى فَلَا يحصل فِي مَحَله إِلَّا بزوالها كالأبواب لَا يتَوَصَّل إِلَى مَا وَرَاءَهَا إِلَّا بِفَتْحِهَا والعجلة كِنَايَة عَن الْجد فِي الطّلب وَقُوَّة الْعَزْم ومجاز عَنْهُمَا والولوج كِنَايَة عَن الثُّبُوت فِي تِلْكَ المقامات والمعارف وَالْحَاصِل أَنه شبه فِي الصَّدْر الْهدى المتضمن لما اكْتَسبهُ العَبْد من المقامات والمعارف بخزائن لَهَا أَبْوَاب مغلقة بِجَامِع أَن الْمُشبه مَظَنَّة للقرب من الله الَّذِي هُوَ أعظم مَطْلُوب والمشبه بِهِ مَحل للأموال النفسية فالتشبيه اسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ وَإِثْبَات الْأَبْوَاب للهدى اسْتِعَارَة تخييلية ورشحهما بالانفتاح الملائم للأبواب ثمَّ اشتق مِنْهُ الْفِعْل فَهُوَ اسْتِعَارَة تَبَعِيَّة ثمَّ رتب على ذَلِك الْعَجز كَمَا تقرر وتضمن كَلَامه التَّنْبِيه على أصل عَظِيم فِي السلوك وَهُوَ مُخَالفَة النَّفس فِي شهواتها والتحقق بِمَا ذكر لِأَن طبعها الْميل إِلَى ترك الْعِبَادَة وَإِلَى حظها من فعلهَا وَلِهَذَا قَالَ الْعلمَاء مُخَالفَة النَّفس رَأس الْعِبَادَة وَمن نظر إِلَيْهَا باستحسان شَيْء مِنْهَا فقد أهلكها بمهلكاتها كالكبر وَالْعجب والحسد وَطول الأمل

الصفحة 74