تقديم المحدث عنه في الخبر المنفي:
134 - واعلمْ أَنَّ هذا الصنيعَ يقتضي في الفعل المنفيِّ ما اقتضاهُ في المُثْبَت، فإِذا قلتَ: "أنتَ لا تُحْسِن هذا"، كان أشَدَّ لنَفْي إحسانِ ذلك عنه من أن تقول: "لا تحسن هذا"، ويكون الكلام في الأول مَن هو أَشدُّ إعجاباً بنفسهِ، وأَعرَضُ دَعْوى في أنه يُحْسنُ، حتى إنك لو أتيتَ بـ "أنْتَ" فيما بعدَ "تُحسِن" فقلتَ: "لا تُحسِنُ أنتَ"، لم يكن له تلك القوة.
وكذلك قولُه تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: 59]، يفيدُ مِنَ التأكيد في نَفْي الإِشراك عنهم، ما لو قيل: "والذين لا يُشْركون بربَّهم، أو: بربَّهم لا يشركون" لم يُفِدْ ذلك. وكذا قولُه تعالى: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [يس: 7] وقولُه تعالى: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَاءَلُون} [القصص: 66]، و {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنفال: 55].
مواضع التقديم والتأخير: مثل وغير
تقديم "مثل" و"غير" كالأمر اللازم:
135 - ومما يُرى تقديمُ الاسم فيه كاللازم: "مثْل"، و "غير"، في نحو قوله:
مثلك يثني الحزن عن صَوْبِه ... ويَسْتَرِدُّ الدَّمعَ عَنْ غَرْبِهِ1
وقولِ النَّاسِ: "مِثْلُكَ رَعى الحقَّ والحُرْمَةَ"، وكقولِ الذي قال لهُ الحَجَّاجُ: "لأَحْمِلَنَّكَ على الأَدْهمِ"، يريد القَيْد، فقال على سبيلِ المغالَطةِ: "ومِثْلُ الأميرِ يَحْمِلُ على الأَدهم والأشْهب"2، وما أشبهَ ذلك مما لا يقصد فيه
__________
1 المتنبي، في ديوانه، وفي المطبوعة: "يثني المزن"، وهو خطأ صرف.
2 يعني الأدهم والأشهب من جياد الخيل.