رُدَّها. ثم قالَ: ائْتني بثوبٍ فألقِهِ على هذهِ الحُلل. وقال: أدخلْ يدَكَ فخُذْ حُلَّة وأنتَ لا تَراها، فأَعْطِهمْ. قال عبدُ الملك: فلم أر قسمة أعدل منها1.
و"عمارة"، هذا هو "عمارةبن الوليد بنِ المُغيرةِ"، خطبَ امرأةً من قومه فقالت: لا أتزوجُك أو تترُكَ الشرابَ، فأبى، ثم اشتد وَجْدُه بها فحلَفَ لها أنْ لا يشرب، ثم مر بخمار عند شَرْبٌ يشربون، فدعَوْه فدخَلَ عليهم وقد أنْفَدوا ما عندهم، فنَحَر لهم ناقتَه وسَقاهم بِبُرْدَيْه، ومكَثوا أَياماً، ثم خرجَ فأتى أَهْلَه، فلمَّا رأتْه امرأتُه قالت: أَلم تَحْلِفْ أَنْ لا تَشْرب؟ فقال:
ولسنا بشَرْب أمَّ عمرو إِذا انْتَشَوْا ... ثيابُ الندامى عِنْدَهُمْ كالغَنائم
ولكنّنا يا أمَّ عمروٍ نَديمُنا ... بمنزلةٍ الريَّانِ ليسَ بعائمِ
أَسَّرك .... البيتين2
14 - فإذنْ رُبَّ هَزْلٍ صار أَداةً في جِدّ، وكلامٍ جَرى في باطلٍ ثم استُعينَ به على حَقّ، كما أنه رُبَّ شيءٍ خَسيس، تُوصِّلَ به إِلى شريفٍ، بأنْ ضُرِبَ مَثلاً فيه وجُعل مثالاً له، كما قال أبو تمام:
واللهُ قَدْ ضَربَ الأَقلَّ لنورِه ... مَثَلاً منَ المشكاة والنبراس3
__________
1 الخبر والشعر في الأغاني: 18: 125، بنحو هذه القصة.
2 الخبر والشعر في الأغاني 18 - 123، ومعجم الشعراء للمرزباني: 247. و "الشرب"، جمع "شارب"، و "العائم" من قولهم: "عام الرجل إلى اللبن يعام ويعيم عيمًا وعيمة"، اشتدت شهوته للبن حتى لا يصبر عنه.
3 في هامش المخطوطة "ج"، ما نصه: "هو القطن، "يعني النبراس"، وأراد به الفتيلة ذكره الجوهري في الصحاح أن النبراس هو المصباح، وكذا .... والله أعلم". والبيت في ديوان أبي تمام.