ومما هو في غايةِ الحُسن، وهو من الفَنَّ الأوّلِ، قولُ الشاعر أنشده الجاحظ1:
لَقد كنتَ في قومٍ عليكَ أشحَّةٍ ... بنَفْسِكَ إِلاّ أنَّ ما طاحَ طائحُ
يَوَدُّونَ لو خاطُوا عليكَ جلودَهُمْ ... ولا تَدفعُ الموتَ النفوسُ الشحائحُ
قال: وإِليه ذهبَ بشارٌ في قوله:
وصاحبِ كالدُّمَّلِ الْمُمِدِّ ... حملْتُهُ في رُقعةٍ من جلدي2
72 - ومن سرِّ هذا البابِ، أنك تَرى اللفظَة المستعارةَ قد استُعيرتْ في عدَّةِ مواضعَ، ثم تَرى لها في بعضِ ذلك مَلاحةً لا تَجِدُها في الباقي. مثالُ ذلك أنك تَنْظر إلى لفظةِ "الجِسر" في قولِ أبي تمام:
لا يَطْمعُ المرءُ أن يجْتابَ لُجَّتَهُ ... بالقولِ ما لمْ يَكُنْ جِسْراً له العَمَلُ3
وقوله:
بَصْرْتَ بالرَّاحةِ العُظمى فلَمْ تَرَها ... تُنَال إِلاّ عَلَى جسرٍ منَ التعَبِ4
فتَرى لها في الثاني حُسْناً لا تَراه في الأَول، ثم تنظر إليها في قول ربيعة الرقى:
__________
1 في البيان والتبيين 1: 50، وقال: "ذهب إلى قول الأغر الشاعر"، وأنشد البيتين، وشعره هذا نقله أيضًا السهيلي في الروض الأنف 1: 175.
2 في البيان 1: 50، وفي ديوان بشار المطبوع.
3 في ديوانه، وروايته: "أن يجتاب غمرته"، ويروى: "ويختاز غمرته"، و "اجتباب الأرض وجابها"، قطعها واختراقها ونفذ منها.
4 في ديوانه، وروايته "بالراحة الكبرى"، وهي كذلك في "س".