كتاب مختصر معارج القبول

خَوْفًا شَدِيدًا وَيَسْتَعِيذُونَ بِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (¬1) أي: زَادَ الْإِنْسُ الْجِنَّ جَرَأَةً عَلَيْهِمْ وَشَرًّا وَطُغْيَانًا وزادهم الْجِنُّ إِخَافَةً وَخَبَلًا وَكُفْرَانًا. وَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا نَزَلَ وَادِيًا قَالَ: أَعُوذُ بِسَيِّدِ هَذَا الْوَادِيَ مِنْ سُفَهَائِهِ فَيَأْتِي الشَّيْطَانُ فَيَأْخُذُ مِنْ مَالِ هَذَا الْمُسْتَعِيذِ أَوْ يُرَوِّعُهُ فِي نَفْسِهِ. فَيَقُولُ: يَا صَاحِبَ الْوَادِي، جَارُكَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. فَيَسْمَعُ مُنَادِيًا يُنَادِي ذَلِكَ الْمُعْتَدِيَ أَنِ اتْرُكْهُ أَوْ دَعْهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَأَبْطَلَ الله تعالى وسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَنَفَى أَنْ يَضُرُّوا أَحَدًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَبْدَلَنَا عَنِ الِاسْتِعَاذَةِ بِالْمَخْلُوقِينَ الِاسْتِعَاذَةَ بِجَبَّارِ السَّمَاوَاتِ والأرض وَكَلِمَاتِهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ جَبَّارٌ وَلَا مُتَكَبِّرٌ، فقال تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وأعوذ بك رب أن يحضرون} (¬2) ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فاستعذ بالله} (¬3) ، وقال تعالى: {قل أعوذ برب الفلق} (¬4) إلى آخر السورة، و {قل أعوذ برب الناس} (¬5) إلى آخر السورة (¬6) ،
وفي الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَقَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شيء حتى يرحل من منزله ذلك) .
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنِ الْمُرَادَ فِي الْحَدِيثِ نَفِيُ وُجُودِ الْغِيلَانِ مُطْلَقًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُكَابَرَةً لِلْأُمُورِ الْمُشَاهَدَةِ الْمَعْلُومَةِ بِالضَّرُورَةِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ مِنْ إِتْيَانِهِمْ وَانْصِرَافِهِمْ وَمُخَاطَبَتِهِمْ وَتَشَكُّلِهِمْ. والله أعلم.
¬_________
(¬1) الجن: 6.
(¬2) المؤمنون: 97، 98.
(¬3) الأعراف: 200، فصلت: 36.
(¬4) الفلق: 1.
(¬5) الناس: 1.
(¬6) وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هاتين السورتين: (ما تعوذ الناس بأفضل منهما) . انظر صحيح الجامع الصغير 4272..

الصفحة 304