كتاب الطبقات الكبرى - متمم التابعين - محققا

البشري الذي نزلها، والأساس العلمي الذي قامت عليه. فنفس القبائل التي نزلت في الأولى نزلت في الثانية1، وعلى يدي خريجي مدرسة واحدة -مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم- بُني الأساس العلمي للبلدين، فكما أرسل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عدداً من الصحابة إلى البصرة لتعليم الناس أمور دينهم، أرسل عدداً آخر إلى الكوفة لنفس الغرض. كسعد بن أبي وقاص (ت 55هـ) 2وعبد الله بن مسعود (ت 32هـ) 3، والبراء بن عازب (ت 72هـ) 4 وغيرهم5 ممن علموا الناس القرآن والحديث، والفقه فنبغ على أيديهم عدد كبير من أئمة التابعين، من بينهم، سعيد بن جبير (ت 94هـ) 6، وإبراهيم النخعي (ت 96هـ) 7 وغيرهم. فكثر العلماء، في العصر الأموي، ونشط العلم الذي كانت نواته القرآن والحديث، واستنباط الأحكام الفقهية منهما8، اعتماداً على الجانب العقلي أكثر من الجانب النقلي، حتى عُرفت بمدرسة أهل الرأي، إضافة إلى شهرتها النحوية التي نافست بها مدرسة البصرة التي سبقتها إلى ذلك بمائة عام. وفي العصر العباسي نزلت بغداد إلى الميدان العلمي فاشتد التنافس بين الأمصار الثلاثة وكثرت المناظرات، والمفاخرات بين علماء الأمصار9، مما أدى إلى نهضة علمية واسعة النطاق، فأصاب الكوفة حظ وافر من هذه النهضة على أكتاف علمائها المشتغلين في ميادين القرآن والحديث والفقه، واللغة والنحو، وغيرها.
__________
1 انظر: الجاحظ حياته وآثاره للحاجري6 /13.
2 انظر: طبقات ابن سعد 6/13.
3 انظر: المصدر السابق 6/13.
4 انظر: المصدر السابق 6/13.
5.انظر: قائمة الصحابة الذين نزلوا الكوفة في المصدر السابق جـ/6.
6 المصدر السابق 6/256.
7 المصدر السابق 6/270.
8 انظر: ضحى الإسلام لأحمد أمين 2/11.
9 انظر: ضحى الإسلام 2/78-284.

الصفحة 24