كتاب الطبقات الكبرى - متمم التابعين - محققا

أَبِي الْعَبَّاسِ بِالْأَنْبَارِ1، فَسَأَلَهُ عَنِ ابْنَيْهِ مُحَمَّدٍ2 وَإِبْرَاهِيمَ3 فَقَالَ: بِالْبَادِيَةِ حُبب إِلَيْهِمَا الْخَلْوَةُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: فَأَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ: قدم عبد الله ابن حَسَنٍ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ بِالْأَنْبَارِ فَأَكْرَمَهُ وَحَبَاهُ4 وقربه وأدناه وصنعبه شيئاً لم يصنعه بأحد. وكان يسمر مَعَهُ بِاللَّيْلِ فَسَمَرَ مَعَهُ لَيْلَةً إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَحَادَثَهُ فَدَعَا أَبُو الْعَبَّاسِ بِسْفِطِ5 جَوْهَرٍ فَفَتَحَهُ فَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا وَصَلَ إليَّ مِنَ الْجَوْهَرِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِي بَنِي أميَّة ثُمَّ قَاسَمَهُ إِيَّاهُ فَأَعْطَاهُ نِصْفَهُ وَبَعَثَ أَبُو الْعَبَّاسِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ إِلَى امْرَأَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَقَالَ: هَذَا عِنْدَكِ وَدِيعَةٌ. ثُمَّ تَحَدَّثَا سَاعَةً وَنَعَسَ أَبُو الْعَبَّاسِ فَخَفَقَ بِرَأْسِهِ، وَأَنْشَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ يتمثل بهذه الأبيات:
أَلمْ تَر حَوشَباً أمْسَى يُبَنّي ... قُصوراً نَفْعُها لِبَنِي بُقَيْلهْ
يُؤَمَّل أنْ يُعَمَّرَ عُمْرَ نُوح ... وَأَمْرُ اللهِ يَطرقُ كُلَّ لَيْلَه6
قَالَ: وَانْتَبَهَ أَبُو الْعَبَّاسِ فَفَهِمَ مَا قال، فقال: يا أبا محمد [195/أ] تَتَمَثَّلُ بِمِثْلِ هَذَا الشِّعْرِ عِنْدِي! وَقَدْ رَأَيْتَ صنعي بِكَ وَإِنِّي لَمْ أَدَّخِرْكَ شَيْئًا. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَفْوَةٌ كَانَتْ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِهَا سُوءًا، وَلَكِنَّهَا أَبْيَاتٌ خَطَرَتْ فَتَمَثَّلْتُ بِهَا، فإن
__________
1 الأنبار: مدينة عراقية على نهر الفرات تبعد عن العاصمة بغداد غرباً ثمان وستون كيلو متراً.
(انظر: معجم البلدان 12/257. ودائرة المعارف الإسلامية 3/1. وأطلس التاريخ الإسلامي 9) .
2 ستأتي ترجمته رقم 298.
3 ستأتي ترجمته رقم 299.
4 حباه: أعطاه.
(انظر: المعجم الوسيط 1/153. مادة: حَبَوَ) .
5 سفط: وعاء يوضع فيه الطيب وما أشبه من أدوات النساء وقد يصنع من قضبان الشجر.
(انظر: تاج العروس 5/153. مادة: سَفَطَ) .
6 أورد هذين البيتين ابن قتبة في المعارف 212.
(وأخرج الطبري بسنده البيت الأول في تاريخه 7/525. وأخرجهما الخطيب البغدادي بسنده في تاريخ بغداد 9/432) .

الصفحة 253