كتاب الطبقات الكبرى - متمم التابعين - محققا

وكان ممن أجاب بخلق القرآن في هذه المحنة أيضاً: علي بن المديني وأبو نصر التمار، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وغيرهم1.
ولو قارنا بين هذا الموقف والموقف المشهور للإمام أحمد بن حنبل في تلك المحنة، فإننا نجد أن عقيدته الراسخة قد حالت بينه وبين الباطل. ولم يستجب لقول المأمون بخلق القرآن، بل ناظر خصومه حتى ضُرب وعُذب في عهد المعتصم ثم لزم بيته أيام الواثق، صابراً على ما لاقاه منهم. ثابتاً على الحق لا يخاف في الله لومة لائم2.
إنه نموذج من النماذج الحية التي تعطينا صورةً واضحة عن تلك المواقف النبيلة التي كان يقفها أسلافنا لنصرة الحق، وتطبيق عملي لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) 3.
ولما كان الإيمان يزيد وينقص، فإننا لا نشك في سلامة عقيدة ابن سعد وأقرانه، لأن ثمة حالات تنتاب الإنسان أحياناً تهز شخصيته وتضعفه أمام حد السيف خوفاً من الموت.
__________
1 انظر: مناقب الإمام أحمد 470.
2 انظر: حلية الأولياء للأصبهاني 9/204-206. ومناقب الإمام أحمد 387-393-397-408، 429.
3 أخرج الحديث كل من:
(أ) ـ البخاري في صحيحه 4/165. كتاب الأحكام. باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية. عن عبد الله بن عمر. وبألفاظ مقاربة. وفي 4/179. كتاب التمني. باب ما جاء في إجازة خبر الواحد. عن علي بن أبي طالب.
(ب) ومسلم في صحيحه 3/1469.كتاب الإمارة 33. باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية 8. حديث 39. عن علي أبي طالب.
(ج) وأبو داود في سننه 3/93. كتاب الجهاد 9. باب في الطاعة 96. حديث 2625. عن علي بن أبي طالب أيضاً.

الصفحة 37