كتاب الطبقات الكبرى - متمم التابعين - محققا

ونقل ابن العباد الحنبلي (ت 1089هـ) ، عن ابن الأهدل1، قوله: "قيل إنه مكث ستين سنة يصوم يوماً ويفطر يوماً"2.
وبعد سرد هذه الأقوال يتضح انفراد يحيى بن معين تكذيب ابن سعد ودفاع الخطيب البغدادي، والمسمعاني، وابن تغري بردي، يُبعد عنه ذلك بالإضافة إلى أن الحفاظ عدُّوا ابن معين في طبقة المتشددين من بين طبقات النقاد، فلا يُقبل قوله إذا انفرد بالجرح وخالفه بقية النقاد.
قال اللكنوي (ت1304هـ) أثناء تعداده لموانع قبول الجرح والتروي فيه: ومنها -أي من موانع قبول الجرح-: "أن يكون الجارح من المتعنتين المشددين فإن هناك جمعاً من أئمة الجرح والتعديل لهم تشدد في هذا الباب، فيجرحون الراوي بأدنى جرح، ويطلقون عليه ما لا ينبغي إطلاقه عند أولي الألباب، فمثل هذا الجارح توثيقه معتبر، وجرحه لا يعتبر إلا إذا وافقه غيره ممن ينصف ويعتبر فمنهم. أبو حاتم، والنسائي، وابن معين ... ، وغيرهم. فإنهم معروفون بالإسراف في الجرح والتعنت فيه، فليتثبت العاقل في الرواة الذين تفردوا بجرحهم وليتفكر فيه"3.
هذا وإن كثيراً من جهابذة الحفاظ لم يسلموا من جرح بعض النقاد، فهذا ابن معين الذي تكلم في ابن سعد قد تُكلم فيه. فقال: الذهبي، قال إبراهيم بن هانيء:4 رأيت أبا داود5 يقع في يحيى بن معين، فقلت: تقع في مثل يحيى فقال: من جرَّ ذيول الناس جروا ذيله. قال الذهبي: "إنما ذكرته -أي يحي بن معين-) عبرة ليُعلم أن ليس كل كلام وقع في حافظ كبير بمؤثر فيه بوجه 6.
__________
1 لم أعثر عليه.
2 انظر: شذرات الذهب 2/69.
3 انظر: الرفع والتكميل في الجرح والتعديل 176.
4 هو النيسابوري، نزيل بغداد. ثقة في الحديث، توفي سنة خمس وستين ومائتين. (انظر: تاريخ بغداد 6/204.)
5 هو سليمان بن الأسعث أبو داود السجستاني صاحب السنن المتوفى سنة خمس وسبعين ومائتين. (انظر: تقريب التهذيب 132) .
6 انظر: ميزان الاعتدال 4/410.

الصفحة 45