كتاب روضة العقلاء ونزهة الفضلاء

جُعْشُمٍ يَكْفِيكَ مِنْهَا مَا سَدَّ جَوْعَتَكَ وَوَارَى عَوْرَتَكَ فَإِنْ يَكُنْ ثَوْبًا تَلْبَسُهُ فَذَاكَ وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً تَرْكَبُهَا فَبَخٍ فِلَقُ الْخُبْزِ وما الحب وَمَا فَوْقَ الإِزَارِ حِسَابٌ عَلَيْكَ
قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن لا يغتر بالدنيا وزهرتها وحسنها وبهجتها فيشتغل بها عَن الآخرة الباقية والنعم الدائمة بل ينزلها حيث أنزلها اللَّه لأن عاقبتها لا محالة تصير إلى فناء يخرب عمرانها ويموت سكانها وتذهب بهجتها وتبيد خضرتها فلا يبقى رئيس متكبر مؤمر ولا فقير مسكين محتقر إلا ويجري عليهم كأس المنايا ثم يصيرون إلى التراب فيبلون حتى يرجعون إلى مَا كانوا عَلَيْهِ في البداية إلى الفناء ثم يرث الأرض ومن عليها علام الغيوب فالعاقل لا يركن إلى دار هذا نعتها ولا يطمئن إلى دنيا هذه صفتها وقد ادخر له مَا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيضن بترك هذا القليل ويرضى بفوت ذلك الكثير
حدثنا مُحَمَّد بْن المسيب بْن إِسْحَاق حَدَّثَنَا يعقوب بْن إِبْرَاهِيم الدورقي قَالَ سمعت بشر بْن الحارث يقول ... لا تأس في الدنيا على فائت ... وعندك الإسلام والعافية
إن فات أمر كنت تسعى له ... ففيهما من فائت كافيه ...

وأنشدني الكريزي أنشدني شعيب بْن أَحْمَد لسليمان بْن يزيد العدوى ... ألم تر أن المرء يودي شبابه ... وأن المنايا للرجال تشعب
فمن ذائق كأسا من الموت مرة ... وآخر أخرى مثلها يترقب
لها منهم زاد حثيث وسائق ... وكل بكأس الموت يوما سيشرب
وما وارث إلا سيورث ماله ... ولا سالب إلا وشيكا سيسلب ...

الصفحة 278