كتاب روضة العقلاء ونزهة الفضلاء

الحياة ولا غبن أعظم من إفنائها لغير حياة الأبد ومن اشتهى أن يكون حرا فليجتنب الشهوات وإن كانت لذيذة وليعلم أن كل لذيذ ليس بنافع ولكن كل نافع هو الذيذ وكل الشهوات مملولة إلا الأرباح فإنها لا تمل وأعظم الأرباح الجنة والاستغناء بالله عَن الناس
ولقد أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... فأعظم بصبر للزمان فإنه ... على حالة المكروه ليس بدائم
تدور لنا أفلاكه بعجائب ... إذا مَا انقضت كانت كأحلام نائم
سرور وهم وانتعاش وسقطة ... إلى أجل دان لذلك هادم
وبالله دون الناس فاستغن واستعن ... إذا أنزلت إحدى الأمور العظائم ...

وأنشدني
وأنشدني المنتصر بْن بلال ... فيوم علينا ويوم لنا ... ويوما نساء ويوما نسر
كذاك التقارض بين الأنام ... فخير بخير وشر بشر ...

أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن الجنيد حَدَّثَنَا عَبْد الوارث بْن عَبْد اللَّه عَن عَبْد الله من مسعر عَن معن بْن عون قَالَ كم من مستقبل يوما لا يستكمله ومنتظر غدا لا يدركه لو تنظرون إلى الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره
قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه السبب المؤدي للعاقل إلى إنزاله الدنيا منزلتها ترك الركون إليها مع تقديم مَا قدر منها للعيش الدائم والنعيم المقيم هو ترك طول الأمل وراقبة ورود الموت عَلَيْهِ في كل لحظة وطرفة لأن طول الآمال قطعت أعناق الرجال كالسراب أخلف من رجاه وخاب من رآه فالعاقل يلزم تركها مع الاعتبار الدائم بمن مضى من الأمم السالفة والقرون

الصفحة 281