الاستقراء الكلي من أدلة الشرع.
الثاني: أن الكليات لو رجعت إلى الظن للزم من ذلك تعلق الظن والشك بأصل الشريعة لأنه الكلي الأول، وذلك باطل!.
الثالث: قياس أصول الفقه على أصول الدين، فكما لا يجوز فيها الظني، فكذلك لا يجوز في أصول الفقه، والجامع أن أصول الفقه وأصول الدين كليات معتبرة في كل ملة، وأنها داخلة في الضروريات من حفظ الدين، فكانت نسبتهما إلى أصل الشريعة نسبة واحدة1.
فمما اشتمل عليه هذا الدليل أن أصول الفقه راجعة كلها إلى كليات الشريعة والأصول المعتبرة في جميع الأديان، وهذا ما ردّه الشيخ الطاهر بن عاشور2 وذكر أن أدلة الشاطبي على هذا الأمر: "مقدمات خطابية3 وسفسطائية أكثرها مدخول ومخلوط4 وغير منخول".
__________
1 انظر الموافقات1/29-31.
2 انظر المقاصد الشرعية للشيخ الطاهر بن عاشور ص41، وانظره ص7.
وقد اعترض الشيخ عبد الله دراز على كثير مما ذكره الشاطبي من الأدلة في هذه المسألة، بل ذكر في أحد أدلته أنه "استدلال خطابي" كما ذكر الشيخ ابن عاشور. انظر الموافقات مع تعليقات الشيخ عبد الله دراز 1/31 وانظر1/29-34.
3 "الخطابة:.. قياس مركب من مقدمات مقبولة أو مظنونة من شخص معتقد فيه، والغرض منها ترغيب الناس فيما ينفعهم من أمور معاشهم ومعادهم، كما يفعله الخطباء والوُعّاظ" التعريفات ص99.
4 ولعل وجه وصف دليل الشاطبي بأنه مخلوط أن الأوجه الثلاثة - في ظاهر ترتيب الدليل - هي أدلة على الأمر الثاني وهو أن الكليات وما يرجع إليها قطعية، ومع ذلك فإن الوجه الثالث من تلك الأوجه فيه أمور لا يمكن أن تكون أدلة على أن الكليات قطعية، ففيه استدلال على قطعية أصول الفقه وعدم جواز الظني فيها وهو المستدل عليه بمجموع الأمرين، وفيه استدلال على أن أصول الفقه من الكليات الشرعية وهو الأمر الأول الذي اكتفى في بيانه بأنه ظاهر بالاستقراء التام. والله تعالى أعلم.