كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

من الشعر؛ وإلا فما هذه العبارات في الأبيات التالية من مثل: إنفاق الدموع تبذيرًا، وموت قلبه فيهم أسيرا؟!
ونحن لا نرتاب في أن كثيرًا مما يؤذينا في هذه القطعة وأمثالها في ديوان مهيار إنما يرجع إلى أنه لم تكن له سليقة عربية إذ تعلم اللغة من الكتب؛ ولذلك لم يكن يعرف كيف ينظم السلك العربي، وكيف يرتب فرائده، وأين يضع الكبرى، وأين يضع الصغرى، ومن ثم انتشر عنده التلفيق على حين ينطوي عند غيره من الشعراء، ولا يظهر واضحًا بتلك الصورة الواسعة التي نراها عند مهيار. واقرأ هذه الأبيات:
مَن دلَّ رباتِ العيونِ النُّجُلِ ... أن القلوبَ غرضٌ للمُقَلِ
فما رمت سوداءُ منها أسوَدًا ... فغيرُ أن يجرَحَ إن لم يقتلِ
باعَ رخيصًا لبَّهُ يوم اللِّوى ... موكل أحشاءَه بالكلَلِ
حكمُ هوىً مسلَّط إذا جنى ... لم يعتذر وإن قضى لم يعدل
دَمِي وقد حُرِّم إلا بدمٍ ... على اللِّوى لِمْ حلَّ يا ذاتَ الحُلى
سيقتْ لبلبالِكِ بابليَّة ... مالكِ يا خالقةَ السِّحرِ ولي
زعمتِ لا يُبلِي هواك جسدي ... بَلَى وحبِّيك بلَى لقد بَلِي
فإنك تحس إحساسًا واضحًا بأن مهيار يلفق القصائد تلفيقًا؛ فهو يجمع لها الألفاظ والأفكار من هنا وهناك؛ وإلا ففيم هذا الاستفهام الذي بدأ به هذه الأبيات؟ وفيم هذه السهام المكسرة في القلوب إن لم تعرف العيون مكان الرمية؟! إن كل ما هنالك أنه جاء بالمقل والعيون النجل. أما البيت الثاني ففيه سواد وفيه تكلف متعب في التعبير وخاصة في شطره الأخير. وانظر إلى البيت الثالث وهذا الانتقال من القتل إلى البيع، ثم انظر بعد ذلك إلى التكلف في الجناس بين موكل وكلل، وهو جناس باهت لا نشعر إزاءه بطرافة فنية لا من جهة صوتية ولا من أي جهة مادية أخرى. وانظر إلى جناسه بعد ذلك بين: حل وذات الحلى، ثم بين: بلبال وبابلية، ثم بين: بلَى وبلِي في البيت الأخير. إننا لا نستطيع أن نفهم أن هذه الجناسات هي نفس الجناسات التي كنا نعجب

الصفحة 361