كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

بها عند شعراء القرن الثالث، إنها جناسات باهتة لا نحس إزاءها بأنها تعبر عن جمال وفن كما كان ذلك الشأن في القديم.
على أن هذا الجانب الباهت في شعر مهيار يعم في جميع جوانب قصائده ونماذجه؛ بحيث يمكن أن نقول إنها قصائد أو نماذج باهتة، فليس فيها ما يسر العين والأذن فضلًا عما يسر العقل والذهن إلا قليلًا.
واقرأ في مهيار طويلًا ثم سلْ نفسك ماذا حصلت عليه فستجدك قلما تحصل على شيء رائع من فن أو شعر؛ بل أنا أومن بأنك لن تستطيع أن تديم النظر فيه طويلا، فسيفجؤك ملل وسأم يحولان بينك وبين الاستمرار في القراءة، فقد أصبح الشعر تلفيقًا خالصًا سواء في صوره أم في ألوانه أم في أفكاره، وهو تلفيق كان مهيار يعتمد على دفع المشقة فيه بالتقليد، ولكن أي تقليد؟! إنه هذا التقليد الذي لا يشعُّ إلا مللًا وسأمًا غريبين، وكأنما أجدب التفكير الفني، ولم يعد من الممكن أن يتحول إلى التصنيع القديم وما كان فيه من زخرف حسي وعقلي.
3- تطويلُ مِهْيَار لقَصَائِدِهِ:
لم يقف مهيار بتلفيقه عند تطويل الأفكار المطروقة والخواطر الموروثة في أسلوبه المنبسط؛ بل راح يحاول تحقيق ذلك من طرق أخرى، هي إدخال مراسيم الرسائل في قصائده، حتى يستطيع أن يطيل فيها طولًا شديدًا. وإن الإنسان ليشعر شعورًا واضحًا إزاء كثير من نماذجه بأنها قد ألفت كما تؤلف الرسائل؛ فهي تبدأ في العنوان بتلك الكلمة: "وكتب إلى ... "، وينتقل الإنسان من هذا العنوان إلى القصيدة فإذا هي قد ألفت على نمط أسلوب الرسائل وما تعارف عليه أصحابها من ولعهم بما يسمَّى: براعة الاستهلال، وكان السابقون يعرفون لمهيار إحسانه في هذا الجانب. يقول ابن حجَّة الحموي: "ومن ألطف البراعات وأحسنها براعة مهيار الدَّيلمي؛ فإنه بلغه أنه

الصفحة 362