كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

أو يقول:
لَعَمرُكَ ما الدُّنيا بِدارِ إِقامَةٍ ... وَلا الحَيُّ في حالِ السَلامَةِ آمِنُ
وَإِنَّ وَليدًا حَلَّها لَمُعَذَّبٌ ... جَرَت لِسِواهُ بِالسُعودِ الأَيامِنُ
أو يقول:
عجبت للأم لما مات واحدها ... بكت وساعدها ناس يبكونه
هم أسارى مناياهم فما لهم ... إذا أتاهم أسيرٌ لا يفكَّونه
أو يقول:
نمسي ونضحى في ضلالاتنا ... وما على الغبراء إلا سفيه
فنسأل الواحد إنقاذنا ... من عالم السوء الذي نحن فيه
أو يقول:
خسست يا أمُّنا الدُّنيا فأفِّ لنا ... بني الخسيسة أوباشٌ أخساءُ
وعلى هذا النمط استمر أبو العلاء يهاجم هذا العالم بكل ما فيه؛ فقد كان يتراءى له في صورة حمقاء منكرة، وتمادى به تشاؤمه فهجا آدم وحواء والناس جميعًا:
إن مازت الناسَ أخلاقٌ يعاشُ بها ... فإنهم عند سوءِ الطبعِ أسواء
أو كان كل بني حواء يشبهني ... فبئس ما ولدت للناس حواءُ
وكان لحواء وبناتها حظ واسع من هذا الهجاء؛ فهن أصل هذا البلاء في الأرض وأصل هذا النسل الذي يعيش في دار النحس والشقاء:
فليت حواء عقيمًا غدتْ ... لا تلد النَّاس ولا تحبَلُ
بل ليت الناس يمتنعون عن النسل والزواج حتى يتحطم هذا العالم الذي يسير هذه السيرة العرجاء في توزيع الحظوظ والأرزاق:
لو أن كل نفوس الناس رائية ... كرأي نفس تناهت عن خطاياها
لعطلوا هذه الدنيا فما ولدوا ... ولا اقتنوا واستراحوا من رزاياها
إذن ما قام هذا العالم الفاسد، الذي لا يستطيع أبو العلاء أن يفهم له

الصفحة 383