كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

عُنِي صاحب الذخيرة ببيان هذا الجانب في شعره، فرأيناه يرجع عشرات من أبياته وأشعاره إلى دواوين العباسيين وخاصة البحتري وأبا تمام والمتنبي والمعري، فمن ذلك
قوله في وصف سواد ليلة:
يا ليتَ ذاك السوادَ الجونَ متَّصِلٌ ... قد استعار سوادَ القلبِ والبصرِ1
فقد استعاره من قول أبي العلاء:
يود أن ظلامَ الليلِ دامَ لهُ ... وزيد فيه سوادُ القلبِ والبصرِ2
ويقول ابن زيدون في بني جَهْوَر:
بني جهورٍ أحرقتم بجفائِكُم ... جناني، فما بالُ المدائحِ تَعْبقُ3
تعدونني كالعنبرِ الوردِ إنما ... تطيبُ لكم أنفاسُهُ حين يُحْرَقُ4
وهو بَيِّن الصلة بقول أبي تمام:
لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورتْ ... ما كان يعرفُ طيبُ عَرْفِ العودِ
وكذلك قوله:
هرمتُ وما للشيبِ وَخْطٌ بمفرقي ... ولكن لشيب الهمِّ في كبدي وَخْطُ5
واضح الصلة بقول المتنبي:
إلا يشبْ فلقد شابتْ له كبدٌ ... شيبًا إذا خضبته سلوةٌ نصلا6
وكذلك قوله في المديح:
وصلنا فقبَّلنا النَّدى منك في يدٍ ... بها يُتْلَفُ المالُ الجسيمُ ويخلفُ
مأخوذ من قول البحتري:
دنوتُ فقبَّلتُ النَّدى من يد امرئ ... كريمٍ محيَّاهُ سباطٍ أنامِلُه7
يقول صاحب الذخيرة: "وبيت ابن زيدون لفظ بيت البحتري ومعناه،
__________
1 الجون: الحالك.
2 الذخيرة 1/ 299.
3 تعبق: تفوح.
4 الورد: الأحمر، ولعله يقصد الزعفران لحمرته.
5 وَخط الشيب: انتشاره.
6 نصل الشعر: زال عنه الخضاب.
7 سباط: جمع سبط ضد الجعد، وسباط أنامله: كناية عن الكرم.

الصفحة 442