كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

والتجميل1. وروى الرواة أنه كان بقصره بركة من الزئبق طولها خمسون ذراعًا وعرضها خمسون، أقيمت عليها أساطين من الفضة، شدت إليها زنانير من الحرير تحمل فراشًا كان ينام عليه "وكانت هذه البركة يرى لها في الليالي المقمرة منظر عجيب إذا تألف نور القمر بنور الزئبق"2.
وليس من شك في أن هذه الصورة بالغة من الثَّراء والترف، وقد تكون هي أهم الأسباب التي جعلت الشعراء يبكون الدولة الطولونية بكاءً شديدًا3. وتجتمع النصوص التي أثرت عن الدولة الطولونية أن الشعراء كثروا في عهدها4، وهي كثرة أتاحت للصولي فيما بعد أن يكتب عن أخبار شعراء مصر كتابًا5، غير أن هذا الكتاب مفقود، وربما كان أهم شاعر ظهر في هذا العهد هو الجمل الأكبر المتوفى عام 358 للهجرة. يقول ياقوت: "كان شاعرًا مفلقًا مدح الخلفاء والأمراء"6 وتخصص أخيرًا بابن طولون. ويقول صاحب المغرب أنه كان ينحو نحو الفكاهة والدعابة، غير أنه لم يصلنا من شعره، ما نستطيع به أن نحكم حكمًا واضحًا على قيمته الفنية أو قيمته الفكاهية.
وإذا انتقلنا إلى عصر الإخشيديين وجدنا شاعرهم الفكه الملقب بقاضي البقر ومن شعره الماجن7:
يا ربِّ دعني بلا صلاحِ ... يا ربِّ ذرني بلا فلاحِ
يدي مدى الدَّهر فوق ردفٍ ... وراحتي تحت كأسِ راحِ
واشتهر في هذا العصر أيضًا أبو هريرة أحمد بن أبي عصام، وفيه يقول صاحب المغرب: "كان من شعراء الإخشيد المصريين من أصحاب النوادر والمجون والإدمان على شرب الخمر، ومن شعره في وصف مجالس الشراب.
مجلسٌ لايرى الإله به غيـ ... ـر مُصَلٍّ بلا وضوءٍ وطهرِ
__________
1 خطط المقريزي 1/ 316.
2 خطط المقريزي 1/ 317.
3 انظر: النجوم الزاهرة 3/ 140 وما بعدها.
4 نفس المصدر 3/ 140.
5 معجم الأدباء 2/ 415.
6 معجم الأدباء 4/ 76.
7 المغرب: لابن سعيد ص272.

الصفحة 465