كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

إلى نهر الفرات؛ وبذلك أعادوا لمصر مجدها القديم في عصر الفراعنة، إذ استردت ما كان لها في الشرق من سلطان وهيبة وثروة. وإن الإنسان ليخيَّل إليه حين يقرأ في تاريخ الفاطميين وما كانوا عليه من بذخ وترف وثراء أن مصر ألقت في حجورهم كل ما تملك من كنوز وزروع، وأي كنوز وزروع؟ لقد ساق المؤرخون ذلك علينا في صور تشبه أن تكون أقاصيص، ولذلك شك فيها بعض الباحثين1 غير أن هذا الشك لا يغني أمام الوثائق التاريخية الصحيحة، فإن المؤرخين يجمعون على ضخامة ثروة هذه الدولة، ويكفي للدلالة على ذلك أن نعرف أن يعقوب بن كلس وزيرها في القرن الرابع كان يأخذ من الخليفة مائة ألف دينار في العام، ولما توفي ترك من الجواهر ما قيمته أربعمائة ألف دينار ومن المصوغات ما قيمته خمسمائة ألف دينار2، ويقولون إنه أُنفق في كفنه من العطور التي استخدمت في تجهيزه عشرة آلاف دينار3، وكذلك نجد في أوائل القرن السادس الهجري وزيرهم الأفضل الجمالي يخلِّف ثروة ضخمة، إذ ترك ستمائة ألف ألف دينار عينًا، ومائتين وخمسين أردبًّا دراهم نقد مصر، وخمسة وسبعين ألف ثوب أطلس، إلى غير ذلك من طُرَف وتحف وصفها ابن ميسِّر وابن خلكان4، وإذا كان هذا حال وزرائهم فما حال خلفائهم وأمرائهم؟ ولعلنا لا نعجب بعد ذلك إذ نرى القاضي الفاضل يصف كنوزهم التي استولى عليها صلاح الدين فيقول: "وفي ثالث عشرين -يعني ربيعًا الآخر سنة سبع وستين وخمسمائة- كُشِفَ حاصل الخزائن الخاصة بالقصر ... ومقدار ما يحدس أنه خرج من القصر ما بين دينار ودرهم ومصاغ وجوهر ونحاس وملبوس وأثاث وقماش وسلاح ما لا يفي به ملك الأكاسرة، ولا تتصوره الخواطر الحاضرة ولا يشتمل عليه مثله الممالك العامرة، ولا يقدر على حسابه إلا من يقدر على
__________
1 STANLEY, LANE-POOLE, THE STORY OF CAIRO,P. 133
2 الإشارة إلى من نال الوزارة: لابن منجب ص23.
3 ابن خلِّكان 2/ 336.
4 ابن خلكان 1/ 222 وقد بالغ ابن ميسر في وصف هذه الثروة، انظر: أخبار مصر: لابن ميسر ص57.

الصفحة 467