كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

إلى الخليفة الآمر"1 ومثل الشريف ابن الأخفش وله مدائح كثيرة في الآمر والحافظ2، ويظهر أن الشعراء الذين يمدحون الخلفاء زادوا عن الحاجة في عهد الحافظ "524- 544" ولذلك نراه يأمرهم بالإيجاز والاختصار في قصائدهم3:
أمرتنَا أن نصوغَ المدحَ مختصرًا ... لم لا أمرتَ ندى كفَّيكَ يُخْتَصَرُ
واللهِ لا بد أن نجري سوابقَنا ... حتى يبين لها في مدحك الأثرُ
ومن يتصفح الخريدة يلاحظ حقًّا أن الشعراء اتسعوا في مديح الدولة الفاطمية وخاصة في أواخر عصرها اتساعًا شديدًا، واخذوا يبالغون في مدح خلفائها حتى ليرفعونهم إلى مرتبة الآلهة كقول الشريف ابن الأخفش في مديح الحافظ: وقد بدأه بغزل وخمر ثم خرج إلى المديح فقال4:
صرفُ جريالٍ يرى تحريمها ... من يرى الحافظ فردًا صمدا
بَشَرٌ في العين إلا أنهُ ... من طريقِ العقلِ نورٌ وهدى
جل أن تدرِكُهُ أعينُنا ... وتعالى أن نراه جسدا
فهو في التسبيحِ زلفى راكع ... سمع اللهُ به من حَمَدا
تُدْرك الأفكارُ فيه نبأ ... كاد من إجلالِه أن يُعْبَدا
وواضح أن الشاعر يسبغ على الخليفة صفات ربه، فهو يخاطبه وكأنه يخاطب رب العالمين، وعلق على هذه الأبيات صاحب الخريدة بقوله: "اقتصرت على هذه أنموذجًا لشركه، وأخَّرت الباقي من سلكه". وكنا نأمل من العماد أن لا يقتصر وأن لا يؤخر حتى نطلع بصورة واضحة على مدائح الشعراء للفاطميين وما اتخذوا فيها من صنوف الغلو، غير أنه كان كاتبًا لصلاح الدين الذي قامت دولته السنية للقضاء على دولة الفاطميين الشيعية، ولذلك رأيناه ينبذ مثل هذا الشعر الذي يتطرف في مديح الفاطميين، وصرح بذلك مرارًا في
__________
1 انظر خريدة القصر وجريدة العصر "قسم شعراء مصر" للعماد الأصفهاني "طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر" 2/ 166.
2 انظر الخريدة 1/ 238.
3 الخريدة 2/ 64.
4 الخريدة 1/ 241. والجريال: الخمر.

الصفحة 469