كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

توقد فيها النار والمشاعل، ويجتمع الناس ومعهم التماثيل والمضاحك والخيال، ويتخذون ما شاءوا من اللهو والفسق والفجور1. ويظهر أن الشعراء اندفعوا في التعبير عن هذه الموجة اندفاعًا، فإن من يقرأ الشعر الفاطمي يجد أكثره زهرًا وخمرًا وغلمانًا كقول ابن وكيع:
غرَّد الطيرُ فنبَّه من نعسْ ... وأدرْ كأسَكَ فالعيشُ خُلَسْ
سلَّ سيفُ الفجرِ من غمد الدُّجى ... وتعرَّى الصبحُ من ثوبِ الغَلَس2
وإذا كانت موجة الزهد السابقة وجدت من يتخصص فيها كابن الكيزاني، فإن هذه الموجة الماجنة كثر المتخصصون فيها فقد تخصص فيها أول هذا العصر تميم وابن وكيع، ثم جاء شعراء القرنين الخامس والسادس فاتسعوا فيها وزادوا في الطنبور نغمة بل نغمات. واشتهر بغناء هذا اللحن في القرن الخامس الشريف العقيلي في أوله، ثم ابن مكنسة في آخره، ومن شعره في الخمر3:
إبْريقُنا عاكفٌ على قَدَحِ ... تخالُهُ الأمَّ ترضعُ الولدا
أو عابدًا من بني المجوسِ إذا ... توهَّم الكأسَ شعلةً سَجَدا
ويقول ابن قادوس وهو من شعراء الخريدة الماجنين4:
راحٌ إذا سفك الندمانُ من دَمِها ... ظلَّت تقهقِه في الكاسات من جَذَلِ
ويقول أيضًا5:
قم قبل تأذينِ النواقيسِ ... واجل علينا بنت قسِّيسِ
عروس دنٍّ لم يدعْ عتقُها ... إلا شعاعًا غيرَ ملموسِ
تُجْلى علينا باسمًا ثغرُها ... فلا تقابلها بتعبيسِ
مُذْهَبةُ اللون إذا صفِّقَتْ ... مُذْهِبةٌ للهمِّ والبوسِ
__________
1 المرقص والمطرب: لابن سعيد ص45.
2 الغلس: الدُّجى.
3 المرقص والمطرب ص64.
4 الخريدة 1/ 228.
5 الخريدة 1/ 227.

الصفحة 476