كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

لا غَرو ما تأتيهِ من ريبةٍ ... لأنها عنصُرُ إبليسِ
ليس لها عيبٌ سوى أنَّها ... حسرةُ أقوامٍ مفاليسِ
ولم يقف الشعراء عند ذلك بل نراهم يتطرقون إلى ذكر العورات في صور يعف القلم عن ذكرها. وأظهر الفاطميون رقة شديدة في غزلهم، وهي رقة كانت متفشية في الناس حتى جعلت لغتهم -كما لاحظ المقدسي1- رخوة، فهم يتظرفون ويرقون منتهى ما يكون من تظرف ورقة، وأورثنا ذلك عنهم طائفة واسعة من غزل رقيق كقول ظافر الحداد2.
يا ساكني مصر أما من رحمةٍ ... فيكم لمن ذهب الغرامُ بلبِّه
أمِنَ المروءةِ أن يزورَ بلادكم ... مثلي ويرجع مُعْدَمًا من قلبِهِ
وكان ينساق مع هذا الجانب من الرقة جانب آخر من الظرف والفكاهة والدعابة، وسبق أن لاحظنا اتصال هذا الجانب بالشعراء المصريين قبل عصر الفاطميين، واستمرت هذه الظاهرة في العصر الفاطمي وكثر الشعر الذي يمثلها من القرن الرابع إلى القرن السادس، إذ نجد ابن وكيع في مفتتح هذا العصر يداعب غلامًا نصرانيًّا في مربعة طويلة3، شكا له فيها من حبة، ثم عرج على صدِّه، وتوعده أن هو لَجَّ في هجره أن يعرض أمره على القساوسة والشمامسة والرهبان، فإن أبى عليه وتمنع عرض أمره على الأسقف فالمطران فالبطرك:
ولا تلُمني إن قصدت الأسقفا ... من برَّحَ السُّقمُ به رام الشِّفا
فلا تقل أبديتُ مكنونَ الجفا ... أنت الذي أحوجتني أن أكْشِفا
سوف إلى الْمُطرانِ أنهي قصَّتي ... إن دام ما تؤثرُهُ من هجرتي
فإن رثى لي طالبًا معونتي ... ولم تشفِّعه بكشفِ كربتي
__________
1 المقدسي ص203، 205.
2 الخريدة 2/ 12.
3 يتيمة 1/ 317.

الصفحة 477