كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

شكوت ما يلقاهُ من فَرْطِ السَّقمِ ... قلبي إلى البَطْرَك والحبرِ العلم
وتستمر هذه الروح الفكهة في الأدب الفاطمي حتى عصر الجليس بن الحباب المتوفى عام 561 للهجرة فقد روى له صاحب الخريدة هذه القطعة يشكو فيها من طبيب على سبيل المداعبة1.
وأصلُ بليَّتي من قد غزاني ... من السقم الملحِّ بعسكرينِ
طبيبٌ طبُّهُ كغرابِ بينٍ ... يفرِّق بين عافيتي وبيني2
أتى الحمَّى وقد شاختْ وباختْ ... فردَّ لها الشبابَ بنسختينِ
ودبَّرها بتدبيرٍ لطيفٍ ... حكاهُ عن سنانٍ أو حنينِ
وكانت نوبةً في كل يومٍ ... فصيَّرها بحذقٍ نوبتينِ
وإذا تركنا الجليس بن الحباب إلى من جاءوا بعقبه وجدنا بينهم كثيرين اشتهروا بهذه الروح مثل قمر الدولة، وكان يعيش في صدر القرن السادس، وكان "طريف الصنعة في مجونه، اجتمعت فيه أسباب المنادمة: يضرب بالعود، ويغني ويلعب بالشطرنج وهو صاحب نوادر ومضاحك"3. ومن شعره في ابن أفلح الكاتب وكان أسود:
هذا ابنُ أفلحَ كاتبٌ ... متفرِّدٌ بصفاتِهِ
أقلامُهُ من غيرِهِ ... ودواتُهُ من ذاتِهِ
ونستمر فنجد ابن قادوس الشارع المشهور في هذا العصر بنوادره، كما نجد كثيرين غيره وقد نبزوا بألقاب تدل على هذه الروح فيهم، فلقب بعضهم باسم شلعلع وآخر باسم النسناس وثالث باسم الوضيع، ورابع باسم الجهجهان وخامس باسم الكاسات: "وكان خفيف الروح كثير المجون، يضحك بنوادره وسخفه المحزون"4. وما نزال نلقى نوادر هؤلاء الشعراء حتى ننتهي في آخر هذا القسم
__________
1 الخريدة 1/ 192.
2 البين: البعد والفراق.
3 انظر في هذا النص والشعر بعده: الخريدة 2/ 218.
4 الخريدة 2/ 61.

الصفحة 478