كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

من الخريدة الخاص بمصر بالشاعر الفكة ابن مكنسة.
والحق أن الشعراء المصريين في العصر الفاطمي مثلوا بيئتهم وطبيعتهم وروحهم وشعورهم تمثيلا صادقًا طريفًا. وقد وقفنا طويلا عند هذه الجوانب لأننا لم نجد أحدًا من الباحثين كشف عن هذه النواحي في الشعر المصري. وقد كنا نظن أن مصر ليست ذات خطر في تاريخ الشعر العربي! وأكبر الظن أن القارئ قد لاحظ أن المصريين لم يستحدثوا لأنفسهم صياغة فنية جديدة، فأساليبهم وأخيلتهم في التعبير عن بيئتهم وتصوير ترفهم ومجونهم كل ذلك كانوا يتأثرون فيه المشرق، بل لا نبعد إذا قلنا إنهم كانوا يقلدونه تقليدًا شديدًا، ولولا ما يميزهم من تصوف وفكاهات ودعابات لأحسسنا باتساع حركة التقليد على نحو ما أحسسنا بها في الأندلس. ومع ذلك فنحن نحسها بوضوح إذ نرى شعراء هذا العصر منذ افتتاحه يتشبثون بأوصاف العباسيين في الخمر والطبيعة والغزل، نرى ذلك عند تميم بن المعز وابن وكيع في القرن الرابع، وعند الشريف العقيلي وابن مكنسة في القرن الخامس، ثم بعد ذلك عند ظافر الحداد وابن الصياد وطلائع الآمري والشريف ابن الأخفش وابن قادوس والمهذب بن الزبير. واستعرض اليتيمة والخريدة والمغرب فسترى التفكير الفني عند المصريين يتصف بشارات التفكير الفني عند المشارقة، ويزيد على ذلك حال الاختلاط والاضطراب التي سبق أن وصفناها عند الأندلسيين، فالشاعر يخلط بين جميع المناهج العباسية، وآية ذلك أنك تجد له قطعة من ذوق الصانعين وأخرى من ذوق المصنعين وثالثة من ذوق المتصنعين في غير نسق ولا نظام. وكان شأن المصريين شأن الأندلسيين في أنهم نقلوا مجموعة ألوان التصنيع ونقصد الألوان الحسية من جناس وطباق وتصوير وأخذوا يضيفون إليها تلفيقًا ولفًّا ودورانًا، ويتراءى لنا ذلك بوضوح منذ القرن الخامس عند الشريف العقيلي الذي كان يتصنع كثيًرا للجناس والطباق، كما كان يتصنع في صوره وأخيلته. وكان يضيف إلى تصنعه بعض اصطلاحات من العلوم، واستمر هذا شأن المصريين من بعده، وغاية ما في الأمر أننا نرى بعضهم يتوسع في تلفيقه وتصنعه، وما يقترحه على نفسه من ضروب

الصفحة 479