كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

وكأن العذارَ في حُمرة الخدِّ ... على حسنِ خدِّك المنعوتِ
صولجانٌ من الزُّمردِ معطو ... فٌ على أكْرةٍ من الياقوتِ
ألا تحس أن هذه صورة مجتلبة، فقد ربطت مخيلة الشاعر بين شيئين متباعدين، ونحن نجد في الخريدة لمحمد بن هانئ قصيدة كلها صفوف من التشبيهات والصور إذ تمضي على هذا الشكل1:
كأن ثغورَ العامريَّات كلما ... تبسَّمنَ نورُ الأقحوانِ الذي رفا
كأن شذا الخيريِّ سرُّ محدِّثٍ ... تخوَّف أن تُصغي له الشمسُ فاستخفى
كأن غصون الآسِ تحت اخضرارها ... قدودُ مهًا يحملن من سندسٍ لُحْفَا
ومهما يكن فقد كان هذا ذوق العصر الفاطمي إذ نرى الشعراء -فيما سوى ابن الكيزاني- غارقين إلى آذانهم في ضروب من التصنع والتلفيق، وبلغ بهم ذلك مبلغًا كبيرًا بحيث كادوا لا يتركون شيئًا من هذه الضروب للعصور التالية، وماذا تريد؟ هل تريد الاقتباس من القرآن الذي شاع في العصر الأيوبي؟ لقد بدءوا به، وانظر إلى قول الشاعر الفكه شلعلع في ابن الدباغ2:
تعالت قرونُ ابن الدَّباغِ فأصبحتْ ... تجلُّ عن التحديدِ في اللفظِ والمعنى
على بعضها ناجى النبي إلهه ... وقد كان منه "قاب قوسين أو أدنى"
ويقول شاعر آخر في مغنٍّ يسمى مرتضى3:
لمرتضَى معبدٌ عَبْدٌ إذا صدرتْ ... أصواتُهُ عنه في النَّادي بتغريدِ
قد غاضَ طوفانُ همِّي حين أسمعني ... ألحانَه فاستوى قلبي على "الجودي"
وأنت ترى الشاعر الأول اقتبس من القرآن كلمة "قاب قوسين أو أدنى" واقتبس الثاني كلمة "استوت على الجودي" بعد تحريف بسيط. واترك لون الاقتباس فإنك ترى عندهم لون التضمين الذي شاع بعد ذلك كقول:
__________
1 الخريدة 1/ 274.
2 الخريدة 2/ 124.
3 الخريدة 2/ 152. والجودي: جبل.

الصفحة 481