كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

المهذب بن الزبير، وكان من الشعراء الممتازين في أواخر العصر الفاطمي1:
أقْصِرْ -فديتُك- عن لومي وعن عَذْلي ... أو لا فخذ لي أمانًا من ظُبا الْمُقَلِ
من كل طرفٍ مريضِ الجفن تنشدنا ... ألحاظُهُ "ربَّ رام من بني ثعل"
إن كان فيه لنا وهو السقيمُ شِفًا ... "فربما صحَّت الأجسامُ بالعللِ"
فقد ضمن البيت الثاني شطرًا من شعر امرئ القيس، كما ضمن البيت الثالث شطرًا من شعر المتنبي، وكان يتأثره كثيرًا في شعره، واترك لون التضمين فإنك ترى عندهم لونًا آخر شاع عند من جاءوا بعدهم، وهو لون الاكتفاء كقول ابن قادوس2:
مَنْ عاذري من عاذلِ ... يلومُ في حبِّ رَشا
إذا نكرت حبَّه ... قال كفى بالدمعِ شا
يريد كفى بالدمع شاهدًا. وواضح ما في البيتين من جناس، وكأني بالعصر الفاطمي لم يترك شيئًا للعصور التالية حتى الألغاز نجدها في هذا العصر فقد اختص بها شاعر إسكندري يسمى ابن مجبر3، وكذلك الأوزان الموشحة نجدها في هذا العصر عند شاعر يسمى علي بن عياد وهو أيضًا إسكندري4، وحتى الطرق التي سبق أن رأيناها عند الحريري من صنع قصيدة غير منقوطة نجدها أيضًا عند شعراء هذا العصر5، وماذا حدث بعد ذلك؟ إنه لم يحدث سوى لون التّورية كما يزعم ابن حجة وصلاح الدين الصفدي، فقد ذهبا إلى أن القاضي الفاضل هو الذي أحدث هذا اللون6، غير أن هذا وهمٌ منهما، فقد كانت التورية شائعة في العصر الفاطمي منذ أوائل القرن الخامس، إذ اقترنت بروح الفكاهة التي سبق أن تحدثنا عنها، وسنقف لنتحدث قليلا عن ثلاثة شعراء مهمين: هو الشريف العقيلي وابن مكنسة وابن قادوس، لنتبين حقيقة
__________
1 الخريدة 1/ 206.
2 الخريدة 1/ 230.
3 الخريدة 2/ 230.
4 الخريدة 2/ 44.
5 الخريدة 2/ 163.
6 انظر خزانة الأدب: للحموي ص54، 241، 276.

الصفحة 482