كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

قطَّع قلبي بمديةِ التيهِ ... وذرَّ من ملحِ صدِّه فيهِ
ولفَّه في رُقاقِ جفوتِهِ ... وقطَّع البقل من تجنِّيهِ
وقال لي: كُلْ، فقلت آكل ما ... أمْرِضُ قلبي به وأوذيهِ؟
وهكذا نجد الشريف العقيلي يميل إلى الدعابة والفكاهة والتورية في شعره كما نجده يستخدم أدوات التصنيع والتصنع جميعًا. وتلك هي صورة الشعر الفاطمي كله؛ فدائمًا نجد الشعراء يخلطون بين المذاهب الفنية السابقة، ولكنهم مع ذلك يعبرون عن شخصيتهم ومرحهم وفكاهاتهم كما يعبرون تعبيرًا طريفًا عن جمال الطبيعة في بيئتهم.
ابْنُ مكنَسَةَ:
كان يعيش في أواخر القرن الخامس وأوائل القرن السادس في عصر الأفضل بن بدر الجمالي1، وكان مختصًّا بأبي مليح النصراني جد ابن مماتي، ولما توفي قال فيه:
طويت سماءُ المكرماتِ ... وكوِّرت شمسُ المديحْ
وكان يتصنع في شعره للجناس3؛ ولكن شعره على كل حال خفيف، ويبدو فيه جمال التصوير وحسن التعليل كقوله في غلام وعقرب شَعْرِهِ4:
قلت إذ عقربَ الدَّلا ... ل على خَدِّه الشَّعرْ
هذه آيةٌ بها ... ظهرَ الحسنُ واشتهرْ
ما رُئي قطُّ قبل ذا ... عقربٌ حلَّتِ القمرُ
وساق صاحب الخريدة طرائف من فكاهاته ومداعباته كقوله5:
لي بيت كأنه بيت شِعْر ... لابن حجَّاج من قصيدٍ سخيفِ
__________
1 الخريدة 2/ 203. وانظر: فوات الوفيات 1/ 26.
2 الخريدة 2/ 205.
3 الخريدة 2/ 209.
4 الخريدة 2/ 207.
5 الخريدة 2/ 211.

الصفحة 487