كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

أين للعنكبوتِ بيتٌ ضعيفٌ ... مثلُهُ، وهو مثلُ عقلي الضعيفِ
بقعةٌ صدَّ مطلعُ الشمسِ عنها ... فأنا مذ سكنتُها في الكسوفِ
وواضح ما في كلمة الكسوف من تورية؛ إذ هو يريد به معناها العامي من الخجل لا كسوف الشمس! ويروي له صاحب الخريدة قطعة أخرى من قصيدة يذهب فيها مذهب الهزل، وهي قوله1:
أنا الذي حدثكم ... عنه أبو الشَّمَقْمَقِ
وقال عني إنني ... كنت نديم المتقي
وكنتُ كنت كنـ ... ـت من رماة البندقِ
حتى متى أبقي كذا ... تيسًا طويلَ العُنُقِ
بلحيةٍ مُسْبلةٍ ... وشاربٍ محلَّقِ
يا ليتها قد حلقت ... من وجهِ شيخٍ خَلَقِ
وانظر إلى هذه المقطوعة الفكهة التي ذهب يشكو فيها من كبره وضعفه وشيخوخته وقد ارتعش في أثناء حديثه؛ فكونت رعشته بيتًا من أبياتها، كل ذلك؛ لينال ما يريد من
دعابة وفكاهة، ويقول2:
عشت خمسين بل تزيـ ... د رقيعًا كما ترى
أحسب المقلَ بندقًا ... وكذا الملْحُ سكَّرا 3
وأظنُّ الطويلَ من ... كل شيء مدوَّرا
قد كَبِرْ بِرْ بِبِرْ بِبِرْ ... ت وعقلي إلى ورا
عجبًا كيف كلُّ شـ ... ـيءٍ أراه تغيَّرا
لا أرى البَيْضَ صار يؤ ... كَلُ إلا مُقَشَّرا
وإذا دُقَّ بالحجا ... ر زجاجٌ تكسَّرا
فأنت تراه في البيت الرابع يرتعش في كلمة كبرت هذه الرعشة الطريفة،
__________
1 الخريدة 2/ 214.
2 الخريدة 2/ 214.
3 المقل: ثمر الدوم.

الصفحة 488