كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

يظهر من حين إلى حين من ينفر من جملة هذه الألوان كابن مماتي الذي كان ينفر من الجناس؛ إذ يقول1:
طبع المجنِّس فيه نوع قيادةٍ ... أو ما ترى تأليفه للأحرُفِ
غير أن ابن مماتي لا نحكم به على العصر كله؛ فقد كانت جمهرة الشعراء تنساق نحو العناية بجملة هذه الألوان، وسبقهم إلى ذلك القاضي الفاضل وزير صلاح الدين وتلميذ الفاطميين: ابن قادوس وغيره. وكان أحد المصادر التي استقى منها العماد خريدته عن الشعر الفاطمي. وتبعه تلميذه وصديقه ابن سناء الملك، وكان يعنى خاصة بصنع الموشحات، ثم جاء من بعده ابن النبيه، وأخيرًا نجد البهاء زهير، ولم يكن يبالغ في استخدام هذه الألوان إلا أنه على كل حال كان يتصنع لها في شعره على الرغم من سهولته المطلقة، ونحن نقف قليلًا عند القاضي الفاضل وابن سناء الملك والبهاء زهير.
القَاضِي الفَاضِلُ:
هو عبد الرحيم البيساني العسقلاني الملقب بالقاضي الفاضل، أصل أبيه من بيسان، وتولى القضاء والحكم بعسقلان2، ولما شب ابنه عبد الرحيم أرسله إلى ديوان الإنشاء بالقاهرة في العصر الفاطمي أيام الحافظ "524- 544" فتتلمذ فيه على أشْهَرِ الكتاب والشعراء في هذا العصر3. ثم التحق بخدمة قاضي الإسكندرية المعروف بابن حديد، ثم تركه إلى ديوان الإنشاء بالقاهرة مرة أخرى في عصر الظافر4 الفاطمي "544- 549"، ولما استقل أسد الدين شيركوه بالوزارة التحق بخدمته، ثم بخدمة صلاح الدين من بعده وقرَّبَه صلاح الدين منه، وسرعان ما أصبح وزيره ومشيره الأول في شئون الدولة، وأتاحت له هذه الصلة أن يلمع اسمه في سماء الأدب: شعره ونثره؛ فقد أكثر المؤرخون
__________
1 خزانة الأدب للحموي ص21.
2 الروضتين في أخبار الدولتين: لأبي شامة 1/ 50.
3 الروضتين 2/ 244.
4 انظر: ابن خلكان 2/ 408.

الصفحة 492