كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

الأوزان المجزوءة والمستحدثة، كما كان يميل إلى استخدام الشعر المسمى باسم "الدُّوبَيت" كقوله:
كم يذهب هذا العمر في خسران ... ما أغفلني عنه وما أنساني
إن لم يكن اليوم فَلَاحِي فمتى ... هل بعدك يا عمري عمر ثاني
وأخيرًا فإن له مقطوعة مزح فيها مع صديق مزحًا يجعلنا نذكر فكاهة العصر الفاطمي وإن لم يبلغ مبلغًا من الخفة؛ إذ يقول:
لك يا صديقي بغلةٌ ... ليست تساوي خردلةْ
تمشي فتحسبُها العيو ... نُ على الطريق مشكَّلةْ
وتخالُ مدبرةً إذا ... ما أقبلت مستعجلةْ
مقدار خطوتِها الطويـ ... لة -حين تسرعُ- أنْمُلَةْ
تهتزُّ وهي مكانها ... فكأنما هي زلزلةْ
6- المماليكُ وامتدادُ النَّهْضَةِ في عصْرِهِمْ:
إذا تركنا العصر الأيوبي إلى عصر المماليك وجدنا مصر تستعيد كثيرًا من بهجتها ومرحها في العصر الفاطمي؛ فقد عاد لها كثير من مكانتها القديمة في الشرق وخاصة بعد غارات التتار على العالم الإسلامي وانتقال الخليفة العباسي من بغداد إلى القاهرة؛ فقد أقبل معه العلماء والأدباء إليها حيث الظل الهنيء والعيش الرغيد. وكانت مصر في هذا العصر أهم بلد في العالم الإسلامي، فإن العراق والشام عمهما سيل التتار، وكانت الأندلس على وشك الاحتضار؛ لذلك لم يكن غريبًا أن نرى مصر في هذا العصر تصبح كعبة الإسلام وملجأ العروبة، بل هي الدنيا كلها كما يقول زين الدين الوردي1:
__________
1 حلبة الكميت ص297.

الصفحة 500