كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

في أشعار المكيين والمدنيين من أمثال عمر بن أبي ربيعة، وكذلك عدي بن زيد في القدماء؛ لأنه كان من سكان المدر بالحيرة"1.
وقد ذهب أبو العلاء إلى التعميم أكثر مما ينبغي؛ فإن الأوزان القصار عرفت في العصر الجاهلي لا عند سكان المدر فقط بل عند سكان الوبر أيضًا، وبخاصة في أبواب الرثاء والغزل والحماسة والحداء، أما الرثاء فقد شاع عند العرب القدماء نوع يشبه "التعديد" الذي نعرفه في مصر؛ إذ روى صاحب الأغاني أحاديث كثيرة عن الخنساء ونُواحها على أخويها وأنها كانت تخرج إلى عكاظ تندبهما، وذكر أن هندًا بنت عتبة كانت تحتذي على مثالها وتنوح أباها2 واقترن هذا النواح أو هذا "التعديد" بضرب من الشعر القصير، لعل خير ما يمثله قطعة أم السُّلَيك: وهي من مشطور المديد؛ إذ تقول3:
طاف يبغي نجوةً ... من هلاك فهلكْ
ليت شعري ضَلَّةً ... أيّ شيء قَتَلَكْ
أمريضٌ لم تعد ... أم عدوّ خَتَلَكْ
وتستمر القطعة على هذا النمط القصير. وأما الغزل فلعله أقرب موضوعات الشعر الجاهلي إلى الغناء والرقص عليه، وخير ما يمثله قطعة المنخَّل اليشكري، وهي من مرفَّل الكامل إذ يقول4:
ولقد دخلت على الفتا ... ة الخدر في اليوم المطير
الكاعب الحسناء تَرْ ... فل في الدِّمَقْسِ وفي الحرير
وتمضي المقطوعة على هذه الشاكلة. وأما الحماسة؛ فقد عرفنا أنهم كانوا يغنون أشعارهم في الحرب ويوم الخصام، واقترن هذا الغناء بضرب من الأشعار القصيرة كقطعة الفِنْد الزِّمَّاني في حرب البسوس إن صح أنها له، وهي من الهزج، إذ يقول5:
صفحنا عن بني ذُهْلٍ ... وقلنا القوم إخوانُ
__________
1 الفصول والغايات ص212.
2 أغاني "دار الكتب" 4/ 210.
3 التبريزي على الحماسة 2/ 191.
4 التبريزي 2/ 45.
5 التبريزي 1/ 11.

الصفحة 51