كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

تدخل فيه نغمات أجنبية كثيرة، كما ذكر أبو الفرج "على نحو ما مر بنا" عن ابن مسجح وابن محرز.
ولعل أهم شاعر قام بجهد وافر في هذا الجانب هو عمر بن أبي ربيعة؛ فقد عرف كيف يُلين الأوزان لهذا الغناء الجديد، ولعله من أجل ذلك كان أقرب شعراء الحجاز إلى ذوق المغنين؛ فقد كانوا يعجبون به وبأشعاره، وروى أبو الفرج كثيرًا من أصواتهم في مقطوعاته، فمن ذلك صوت ابن سُرَيْج وهو من مجزوء الخفيف1.
قل لهندٍ وَتِرْبِهَا ... قبل شَحْطِ النَّوَى غَدَا
إن تجودي فطالما ... بِتُّ ليلي مُسَهَّدَا
ومن ذلك أيضًا صوته وهو من مجزوء الوافر2:
أليستْ بالتي قالت ... لمولاة لها ظُهُرا
أشيري بالسَّلام له ... إذا هو نحونا خَطَرَا
ومن ذلك أيضًا صوت ابن محرز وهو من مجزوء الرَّمَل3:
أصبح القلب مهيضًا ... راجع الحبَّ الغَرِيضا
وأجدَّ الشوقَ وَهْنًا ... أن رأى برقًا وميضا
وعلى هذه الشاكلة أخذ الشعراء الحجازيون من أمثال ابن أبي ربيعة ينظمون على هذه الأوزان القصيرة التي تتفق وألحان الغناء الجديد.
ولعل من الطريف أن نجد في هذا العصر شاعرًا كأعشى همدان يلزم النَّصْبِيَّ المغني يؤلف له قطعًا من الشعر ليغنيها4. وكان المغنون كثيرًا ما يضطرون الشعراء إلى أن يؤلفوا لهم قطعًا من الأوزان القصيرة، كما صنع ابن عائشة بعروة أبن أذينة؛ إذ طلب إليه أن يصنع له قطعة من الهزج فصنع5:
__________
1 أغاني "دار الكتب" 1/ 59.
2 أغاني "دار الكتب" 1/ 92.
3 أغاني "دار الكتب" 1/ 178. مهيضًا: كسيرًا
4 أغاني "دار الكتب" 6/ 65.
5 أغاني "دار الكتب" 2/ 237.

الصفحة 56