كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

من المغنيات جماعة منهن فريدة وبذل وذات الخال ومتيَّم وعريب ودنانير وغيرهن كثير.
ومن يقرأ في كتاب الأغاني يخيل إليه أنه لم يكن في العصر العباسي إلا الغناء والمغنون والمغنيات، ولعل مما يدل على قيمة الغناء أن الجارية إذا كانت مغنية قُوِّمت تقويمًا ممتازًا؛ فهم يذكرون أن جارية عُرضت بثلاثمائة دينار؛ فلما علمها إبراهيم بن المهدي الغناء عُرض في ثمنها ثلاثة آلاف دينار1، وقد بيعت عريب المغنية بخمسة آلاف دينار2، وعلم دحمان جارية اشتراها بمائتي دينار فباعها بعشرة آلاف دينار3، واشترى الرشيد من إبراهيم الموصلي جارية بستة وثلاثين ألف دينار4، وكان في داره ثمانون جارية يعلمهن فن الغناء5.
وأغدق الخلفاء والأمراء وكبار رجال الدولة العطايا على هؤلاء المغنين وأسرفوا في ذلك إسرافًا شديدًا، ويكفي أن نذكر ما يقال من أن إبراهيم صار إليه أربعة وعشرون ألف ألف درهم سوى أرزاقه الجارية وهي عشرة آلاف درهم في كل شهر.
ولعل مما يدل على مبلغ ما وصلت إليه هذه الصناعة من قيمة في هذه العصور أننا نجد طائفة من الخلفاء تترك فيها أصواتًا ممن مثل الواثق والمنتصر والمعتز وابن المعتز، وقد فتح أبو الفرج في كتابه فصلًا يدرس فيه ما تركه أولًا الخلفاء من صنعة في الغناء7، وصنيع إبراهيم بن المهدي -وكان من كبار المغنين- في هذا الباب معروف، واشتهرت أخته عُلَيَّة بالغناء أيضًا، وتركت فيه أصواتًا كثيرة8.
ونحن نجد الغناء في هذا العصر في كل مكان، نجده في قصور الخلفاء ودور الأمراء، كما نجده في الشوارع وعلى الجسور، ونجده في البَرِّ، كما نجده
__________
1 مروج الذهب 2/ 309، وانظر الأغاني "ساسي" 14/ 105.
2 أغاني "ساسي" 14/ 109.
3 أغاني "دار الكتب" 6/ 25.
4 أغاني "دار الكتب" 5/ 164.
5 أغاني "دار الكتب" 5/ 164.
6 نفس المصدر 5/ 163.
7 أغاني "دار الكتب" 9/ 250.
8 انظر ترجمتها في الجزء الخاص بأشعار أولاد الخلفاء من كتاب الأوراق للصولي.

الصفحة 61