كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

مطيع بن إياس:
ربما كان مطيع بن إياس الكناني هو الذي بدأ السطر الأول في صفحة هذا الغزل المادي المكشوف بالكوفة، وهو مثل بشار من مخضرمي الدولتين: الأموية والعباسية "وكان ظريفًا خليعًا حلو العشرة مليح النادرة ماجنًا متَّهمًا في دينه بالزندقة، ومولده ومنشؤه الكوفة، وكان أبوه من أهل فلسطين الذين أمد بهم عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف في وقت قتاله ابن الزبير وابن الأشعث؛ فأقام بالكوفة وتزوج بها؛ فولد له مطيع1" ونظن ظنًّا أن أمه فارسية؛ إذ نرى فيه نزعة شديدة إلى المجون والاستهتار الخلقي منذ مطالع حياته، وهو في ذلك يختلف عن بشار، فقد استهل حياته جادًّا يختلف إلى المتكلمين، أما مطيع فلم يعرف الجِدَّ يومًا. وهو يختلف عنه أيضًا في أنه من أوائل من تغزلوا بالغلمان، إذ كان لا يتحرج من أي مأثم:
وليس يُعْتِمُ إلا ... سكرانَ مع سكرانِ
يسقيه كلُّ غلامٍ ... كأنه غُصْنُ بانِ
من خندريسٍ عُقارٍ ... كحمرة الأرْجُوانِ2
وكان ينفق أيامه في الاجتماع بعصبته من الْمُجّانِ الزنادقة في الكوفة والبصرة من أمثال والبة بن الحباب ويحيى بن زياد الحارثي وعمارة بن حمزة والحمادين الثلاثة: حماد عجرد وحماد الراوية وحماد بن الزِّبْرِقَان وبشار بن برد وأبان اللاحقي3، ويقال إن حكما الوادي غَنَّى الوليد بن يزيد في خلالته قوله:
إكليلها ألوان ... ووجهها فتَّانُ
إذا مشت تثنَّت ... كأنها ثعبان.
فأعجب إعجابًا شديدًا بالأغنية وسأله عن قائلها؛ فلما عرف أنه مطيع
__________
1أغاني "طبعة دار الكتب" 13/ 276.
2 أغاني 13/ 293.
3 أغاني 13/ 279، والحيوان 4/ 447، وأمالي المرتضي "طبعة الحلبي" 1/ 131.

الصفحة 65