كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

مراده من غير مدح ولا هجاء، فأنشد أبو العتاهية:
يا إخوتي إن الهوى قاتلي ... فيسِّروا الأكفان من عاجل
ولا تلوموا في اتباع الهوى ... فإنني في شُغُلٍ شاغلِ
عيني على عُتْبَة مُنْهَلَّةٌ ... بدمعها المنسكبِ السائلِ
فسلَّم له أبو نواس والحسين بن الضحاك وقالا له: أما مع سهولة هذه الألفاظ وملاحظة هذا القصد وحسن هذه الإشارات فلا ننشد شيئًا1"
وعلى هذ النحو كان الشعراء يتنافسون في صناعة هذا النوع من الغزل الغنائي الذي نما تحت تأثير الغناء، واتسع نموه حتى اتخذه بعض الشعراء كالعباس بن الأحنف مذهبًا يقصرون عليه أنفسهم طوال حياتهم ولا ينصرفون إلى غيره من أنواع الشعر الرسمي التقليدي من مدح ونحوه؛ بل هم يعيشون في شعر الحياة الاجتماعية والنوادي الأدبية، وقد رقَّقوا أفكارهم، وهذَّبوا أساليبهم وأوزانهم، وحاولوا أن يبلغوا في ذلك كل مبلغ.
__________
1 العمدة لابن رشيق 1/ 82.
9- تأثير الغناء العباسي في موسيقى الشعر الغنائي:
كان تأثير الغناء في موسيقى هذا الشعر الغنائي أوسع من تأثيره في معانيه؛ إذ كان المغنون يحرِّفون في الغناء القديم، ويدخلون فيه ألحانًا فارسية ورومية1، ولعل ذلك التحريف هو سبب الصراع، الذي نجده في كتاب الأغاني دائمًا بين أنصار الغناء القديم كإسحاق الموصلي، وأنصار الغناء الجديد كإبراهيم بن المهدي، وكان يذهب مذهبه مخارق وشارية وَريِّق، وكذلك علوية وغيرهم كثير2.
واضطر هذا التحريف الشعراءَ، أن يجددوا مع المغنين في أوزانهم؛ إذ
__________
1 أغاني "دار الكتب" 5/ 279.
2 أغاني "دار الكتب" 10/ 69، وانظر: العقد الفريد.

الصفحة 70