كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

وورثته الشرعيين، وخير من يمثل ذلك السيد الحميري؛ فقد كان من غلاة الشيعة، وكان يجهر بتأييد العباسيين، ومدح السفاح حين دخل الكوفة فقال1:
دونكموها يا بني هاشم ... فجددوا من عهدها الدَّارِسا
دونكموها فالبسوا تاجها ... لا تعدموا منكم له لابِسَا
وظلَّ يحطب في حبل الخلفاء العباسيين، وظلوا يقربونه ويُجزلون له في العطاء وهو لا ينسى عليًّا وفضائله مؤمنًا برجعة إمامه محمد بن الحنفية، ومن مستحسن شعره في آل الرسول صلوات الله عليه2:
أتى حسنًا والحسينَ الرسولُ ... وقد برزا ضحوة يلعبانِ
وضمهما ثم فدَّاهما ... وكان لديه بذاك المكان
وطأطأ تحتهما عاتِقَيْه ... فنعم المطيَّةُ والراكبان
ونلتقي في القرن الثاني بكثير من هؤلاء المتشيعين الذين يسرفون في مديح العباسيين مثل منصور النَّمري، وكان يكثر من رثاء العلويين وبكائهم، ومن جيد ما قاله فيهم3:
آلُ الرسول ومن يحبُّهم ... يتطامنون مخافة القَتْل
أَمِنَ النصارى واليهود وهم ... من أُمَّة التوحيد في أزلِ4
ولعل أهم شاعر أعلن عقيدته الشيعية وعاش يناضل في سبيلها هو دعبل الخزاعي، وكان يتأسى بالنمري في بكاء آل البيت ورثائهم، وامتاز بأنه كان يضيف إلى ذلك هجاء لاذعًا في العباسيين، وكأنه نظر إلى بيتي النمري السابقين حين قال5:
أرى أمية معذورين إن قَتَلوا ... ولا أرى لبني العباس من عُذرِ
قَتْلٌ وَأَسْرٌ وتحريقٌ ومنهبةٌ ... فعلَ الغزاة بأرض الروم والْخَزَرِ
__________
1 الأغاني "طبع دار الكتب" 9/ 240.
2 طبقات الشعراء لابن المعتز "طبع دار المعارف" ص35.
3 نفس المصدر ص247.
4 أزل: شدة وضيق.
5 أغاني "ساسي" 18/ 44.

الصفحة 93