كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

مثالبهم، يذكرون فيها مثالب القبائل قبيلة قبيلة، واشتهر بالكتابة في هذه المثالب أبو عبيدة وعَلَّان الشعوبي والهيثم بن عديّ، وتعرضوا لفضائلهم ينقضونها على نحو ما نقض سهل بن هارون فضيلة الكرم في رسالته التي رواها الجاحظ في فاتحة بخلائه، ووضعوا عليهم كثيرًا من القصص وأنطقوهم أشعارًا لم ينظموها، وتعرضوا لأدواتهم وأسلحتهم في القتال ولما كانوا يأخذون به أنفسهم في الخطابة من الاعتماد على العصيّ والقسيّ. وَرَدّ عليهم الجاحظ في البيان والتبيين1 وابن قتيبة2 وغيرهما ردًّا مفحمًا. وكانت هذه الدعوة من غير شك سيئة لأنها تدعو إلى تفريق الجماعة الإسلامية وتثير الأحقاد والضغائن بين شعوبها؛ غير أن ثورة الفرس -فيما يظهر- كانت جامحة، وكان يمدها من اعتلوا منهم المناصب الكبرى في الدولة وخاصة البرامكة، فانقلبت تلك الدعوة إلى ما يشبه ثورة على العرب، وأُغْرِي شعراؤهم بإعلانها؛ فإذا بنا نجد بشارًا الذي كان يفخر في عصر بني أمية بمواليه القيسيين في مثل قوله:
أمنتُ مضرة الفحشاء أني ... أرى قَيْسًا تضرُّ ولا تُضَارُ
كأن الناس حين تغيب عنهم ... نبات الأرض أخطأه القِطَارُ4
وقوله5:
إنني من بني عُقَيل بن كعب ... موضَع السيف من طُلَى الأعناق6
يتغيَّر على العرب وكأنما يشعر أن الحياة واتته وأنها استقامت على هواه؛ فيتبرأ من ولائهم ويرده عليهم، فولاؤه لربه يقول7:
أصبحت مَوْلَى ذي الجلال وبعضهم ... مولى العُرَيب فخذ بفضلك فافْخَرِ
__________
1 انظر كتاب العصا في فاتحة الجزء الثالث من البيان والتبيين.
2 راجع كتاب العرب لابن قتيبة في رسائل البلغاء نشر محمد كرد علي.
3 أغاني "طبع دار الكتب" 3/ 139.
وديوان بشار "طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر" 3/ 250.
4 القطار: المطر.
5 أغاني: 3/ 139.
6 الطلى: أصول الأعناق، واحدتها طلية.
7 أغاني 3/ 139.

الصفحة 97