كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي

نحو ما غضب وثار هشام بن عبد الملك في العصر الأموي حين افتخر إسماعيل بن يسار النسائي في بعض مديحه له بآبائه الفرس1. ولم يكن إسماعيل يقصد إلى شعوبية ثائرة على العرب على نحو ما كان يقصد بشار. ومعنى ذلك أن تحولًا واضحًا حدث في الحياة، حتى أصبح الخلفاء يغضبون على هذه الشعوبية، وما يُطْوَى فيها من عصبية جنسية، وكان من أهم الأسباب في هذا الإغضاء أن العجم هم الذين دفعوهم إلى منصة الحكم.
وإذا تركنا بشارًا إلى الجيل التالي المعاصر للبرامكة في زمان الرشيد وجدنا هذه الشعوبية تشتد، إذ ازداد تأثر الشعراء بالحضارة الفارسية المادية، ودفعهم ذلك إلى التمرد على التقاليد العربية والإسلامية، فخرجوا على عادات العرب الاجتماعية ونُظم الإسلام وقوانينه، ولعل أبا نواس خير من يمثل هذا الجيل، وأغلب الظن أن ثورته لم تكن ثورة جنسية؛ بل كانت ثورة حضارية من نوع خاص، ثورة الحضارة الفارسية وكل ما اتصل بها من خمر ومجون على العرب وحياتهم الإسلامية، وهو يثور في ضجيج وعجيج وصياح وهجوم حتى على الشعر وتقاليده، على نحو ما نرى في قوله2:
قل لمن يبكي على رَسْم دَرَس ... واقفًا ما ضرَّ لو كان جلسْ
تصف الرَّبع ومن كان به ... مثل سَلْمَى ولُبَيْنَى وخَنَسْ
اترك الربع وسلمى جانبًا ... واصطبح كَرْخِيَّة3 مثل القَبَسْ
وقوله4:
عاج الشقي على رسم يسائله ... وعجت أسأل عن خمارة البلد5
يبكي على طلل الماضين من أسد ... لا دَرَّ دَرُّك قل لي من بنو أسد؟
ومن تميم ومن قيس ولَفُّهما؟ ... ليس الأعاريب عند الله من أحد
__________
1 أغاني "طبع دار الكتب" 4/ 422.
2 ديوان أبي نواس "طبعة آصاف" ص299.
3 كرخية: خمرة منسوبة إلى الكرخ، ناحية بغداد.
4 الديوان ص266.
5 عاج: وقف وعطف على المكان.

الصفحة 99