كتاب الفن ومذاهبه في النثر العربي

الهر من البر". فقد ذكر بعضهم أن الهر: السنور، والبر: الفأرة في لغة، وقال بعض علماء الكوفة معنى المثل: لا يعرف من بهر عليه "يكرهه" ممن يبره، وقال آخرون: الهر: دعاء الغنم، والبر: سوقها1. على أن هذه الأمثال الغامضة قلية، أما الكثرة فواضحة بينة.
وقد أكثر العرب من صنع الأمثال، وضربها في جميع أحداثهم وشئون حياتهم، وكثيرا ما كانوا يستوقونها في خطابتهم، يقول الجاحظ: "كان الرجل من العرب يقف الموقف، فيرسل عدة أمثال سائرة، ولم يكن الناس جميعا ليتمثلوا بها إلا لما فيها من المرفق والانتفاع"2، فقد أودعها تجاربهم، فاتسمت بالقبول وشاعت بالتداول، على شاكلة قولهم:
أي الرجل المهذب -إياك أعني واسمعي يا جارة3- تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها4 -رب عجلة تهب ريثا5- رمتني بدائها وانسلت -لا تعدم الحسناء ذاما6، لكل جواد كبوة، ولكل صارم نبوة -مقتل الرجل بين فكيه7- المقدرة تذهب الحفيظة8 -من سلك الجدد9 أمن العثار- أسمع من فرس
في غلس10 -إذا فزع الفؤاد ذهب الرقاد- الحر حر وإن مسه الضر - إنما
المرء بأصغريه: قلبه ولسانه -أسمع جعجعة ولا أرى طحنا11- من أجدب انتجع 12 -ويل للشجي من الخلي13- من استرعى الذئب
__________
1 المزهر للسيوطي "طبعة الحلبي" 1/ 500.
2 البيان والتبيين للجاحظ "طبع مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر" 1/ 271.
3 يضرب في التعريض بالشيء يبديه الشخص، وهو يريد غيره.
4 لا تأكل بثدييها: أي بثمن لبن ثدييها. يضرب في صيانة الرجل الحر نفسه عن المكاسب الحسيسة.
5 الريث: البطء، أي رب عجلة تلقي صاحبها في بطء فتفوته حاجته.
6 الذام: العيب.
7 بين فكيه: أي في لسانه، وما يأتي به من الكلام.
8 الحفيظة: الغضب، يضرب في العفو عند المقدرة.
9 الجدد: الطريق الواضحة.
10 الغلس: الظلام.
11 الجعجعة: صوت الرحى، والطحن: الدقيق.
12 انتجع: طالب الكلأ في مواضعه.
13 الشجي: المهموم، والخلي: الخالي من الهموم.

الصفحة 22